-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا تعني خسارة فرنسا الاستراتجية مع أمريكا؟

ماذا تعني خسارة فرنسا الاستراتجية مع أمريكا؟

خسرت فرنسا، بطريقة مُذِلَّة، منذ أيام، صفقة إنتاج 12 غوَّاصة لصالح أستراليا، بمبلغ 35 مليار يورو. والرابح فيها هم الكبار طبعا، الحلف العسكري الثلاثي الجديد، المُعلَن عنه يوم 15 سبتمبر الجاري، ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا. لم تتمكن الحكومة الفرنسية ولا مخابراتُها من رصد تحركات ونيّات الأمريكيين حتى اللحظة الأخيرة. عَلِمَت الخبر ككل الناس عبر وسائل الإعلام، أثناء الندوة الصحفية الافتراضية للرئيس الأمريكي، جو بايدن. لم يكترث لهذه القوة الفرنسية “العظمى”، لا الأمريكان ولا الإنجليز ولا حتى الأستراليون، الذين قال وزيرُهم الأول إنَّ عَرْضَ الأمريكيين لا يُمكن أن يُقاوَم، إنه يُلَبِّي حاجتنا بنسبة مائة بالمائة.

ماذا أعطاهم؟

لقد مَكَّنهم من التكنولوجيا النووية وَوَضعهم على أعتاب دخول النادي النووي.

بالفعل، لم يكن مجمَّع “لافال” الفرنسي الذي فاوض بشأن الصفقة منذ سنة 2016 وأمضاها في 2019 بقادر على أن يُمكّن الأستراليين من غوَّاصات تَعمل بالوقود النووي. أقصى ما قَدّمه الفرنسيون، بناء غوَّاصات تشتغل بالوقود التقليدي أي “الديزل” يُشْرَعُ في تسليمها في حدود سنة 2030. لكن الأمريكيين قرَّروا خلاف ذلك… ووجدت فرنسا نفسها خارج المعادلة تماما وكأنها دولة من دول العالم الثالث.

وعرف العالم أجمع اليوم أنه إذا كانت مشكلة الأمريكيين الاستراتجية اليوم هي الصين، فإنها لم تعُد تعوّل في شيء على شركائها الأوروبيين وأوّلهم فرنسا. لقد أنشأت حلفها العسكري الثلاثي الجديد: “الأوكوس” AUKUS: أستراليا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، ويوم 24 سبتمبر الجاري ستعيد تطوير حلفها العسكري الرباعي المعروف بـ”QUAD ” (الحوار الأمني الرباعي) (الولايات المتحدة اليابان الهند أستراليا)، الذي نشأ في 2007. ولا مكانة لفرنسا أو الاتحاد الأوروبي فيه. لقد دفنت أمريكا التحالف معهم في أفغانستان!

إنها تعود اليوم إلى زمن الأنجلوساكسون: تمكين أستراليا من التكنولوجيا النووية بعد أن فعلتها مع بريطانيا سنة 1958. ونتيجة هذا القرار، ستحوز أستراليا كميات من الوقود النووي المستخلَص من يوارنيوم 235 المشبَّع بنسبة 90 بالمائة، أي نفس اليورانيوم الذي تُصنَّع منه القنبلة النووية. وهكذا، تكون قد أضعفت موقف الفرنسيين ومعه موقف الأوروبيين إلى أبعد الحدود. وقلَّلت من مكانتهم الاستراتيجية على الصعيد العالمي. وشَكَّكت في قدراتهم ونيّاتهم في التعاون مع الآخرين، وفي مدى استعدادهم لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى حلفائهم.

وفي هذه حزمة من الدروس العميقة لنا، من بينها:

ـ أن مكانة فرنسا والاتحاد الأوروبي في تدهور مستمرّ مقارنة بالحلف الأنجلوساكسوني القائم، ومكانة هذا الأخير في تدهور مستمرّ مقارنة بتطور دول منظمة شنغهاي للتعاون بقيادة الصين وروسيا. وستضطرّ الهند مستقبلا إلى اختيار أحد المعسكرين.

ـ أن الصِّراع في المستقبل فوق الأرض وعلى سطح الماء وفي الفضاء، ولكنَّه أيضا تحت الماء. لم يبق لحلف “الأوكوس” سوى أعماق المحيطات لتعديل ميزان القوة مع الصين ومواجهة مشروع الطريق والحزام الصيني.

ــ أن أي حديث لتعاون أو صداقة أو تحالف لا يتضمن نقل التكنولوجيا المتقدمة المدنية والعسكرية يبقى مشكوكا فيه.

ـ أنَّ الخيارات الاستراتيجية لبلداننا هي في التحالف الاستراتيجي المحلي والدولي المدروس وفق هذا المؤشر العلمي والتكنولوجي قبل كل المؤشرات الأخرى.

ـ إننا في حاجة اليوم، كشعوب تتطلع إلى التقدم، إلى نبذ الخلافات البينية والتخلص من أساليب التعاون على الطريقة الفرنسية، التي مازالت في القرن الحادي والعشرين، تَعرض تكنولوجيا طاقة “الديزل” على دولة كانت تتطلع إلى الانتقال نحو تكنولوجيا الطاقة النووية وأكثر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!