الرأي

“مازوشيتنا” تجاه فرنسا؟

ح. م

ليس من حق حركة مجتمع السلم فقط، أن تسأل عن أهداف وجدوى زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولند إلى الجزائر، وإنما من حق كل الجزائريين أن يسألوا عن موقع الجزائر في المفكرة الفرنسية، ولا نقول القلب الفرنسي، بعد أن ارتضينا أن نتعامل معها بمازوشية، لم تفقدنا السيادة فقط، بل منحت الطرف الفرنسي فرصة الاستهزاء بمشاعر الجزائريين، ونكاد نجزم بأن معاملة الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين لهذا البلد على أنه مستعمِر دائم، هي التي تصلح مع فرنسيين ظلوا يتابعون مآسي الجزائر الأمنية والاقتصادية باللامبالاة حينا، وبالتشفي أحيانا أخرى، ورخائها بعقلية صاحب الدار، لنكتشف مرتبتنا ضمن اهتمام فرنسا في كل زيارة يقوم بها رئيس دولة فرنسي إلى الجزائر، والسبب هو دائما مازوشية الطرف الجزائري، وليس سادية الطرف الفرنسي.

فقد كانت الجزائر منذ أكثر من ثلاثين سنة، على مشارف بعث مصنع للسيارات في تيارت مع الشريك الإيطالي، وكانت منذ عشر سنوات، على مشارف بعث مصنع مع الشريك الألماني وبعدها مع الشريك الياباني، وفي كل مرة تنسف الجزائر وليس فرنسا هذا المسعى وتبحث عن الشراكة مع الفرنسيين فتنالها بالتقسيط الممل، ليكتشف الجزائريون أن مصنع رونو في وهران، كان مجرد قطرة من بحر ما نالته الشقيقة المغرب، ومصنع بيجو الذي لمّح إليه الرئيس الفرنسي ليس إلا فقاعة في عاصفة سيارات قادمة من المغرب الشقيق أيضا، والنتيجة أن تركيا وإيران والمغرب ولبنان وكل دول شرق أوربا صارت تصنّع السيارات الفرنسية، بينما بقيت الجزائر مستهلكة.. وقد تبقى إلى الأبد، والصورة تتكرر في كل المجالات، فقد مرّت سنوات الجمر الحمراء على الجزائر، من دون أن تمد فرنسا يدها السياسية والاقتصادية، لإنقاذها، ومرّت سنوات الرخاء من دون أن تقدم استثمارا مهما، كما فعلت في كل بلدان العالم، وها هي الآن تريد أن تلعب نفس الدور الذي لعبته سنة 1830 كصاحب الدار ولكن هذه المرة بأساليب أخرى، معتمدة على مكيفات هوائية مصنوعة في فرنسا وليس مروحية الداي اليدوية.

سيكون من الخطإ أن نلوم الجانب الفرنسي على هذه المعاملة التي لا شيء فيها من الصداقة المزعومة، وسنكون ظالمين لو أصررنا على أن نعتبر أنفسنا ضحايا في هذه المعاملة التي يمكن وصفها بالسيئة التي يتلقاها الجزائريون من فرنسا، بمناسبة ومن دونها، لأن اللوم كله على الطرف الجزائري الذي افتقد مرة القرار والمال، فعجز عن التعامل مع فرنسا، وكسبهما مرة أخرى، فعجز أيضا، في الوقت الذي تقدم فرنسا لبقية البلدان بقدر ترفعهم عليها، والفرنسيون أنفسهم صاروا يعلمون بأن بلادهم فقدت هيبتها في العالم، وهي أبعد ما تكون عن مركز القرار في كل القضايا الكبرى بما فيها الاقتصادية، وقد تكون الجزائر الوحيدة التي مازالت تظن أن بيد فرنسا بعض المفاتيح وتنتظر أن تدخل رفقتها أبواب بعض العوالم.. ولكم أن تتصوروا انتظار دخول عالم رفقة فاقد المفتاح؟

مقالات ذات صلة