مالك بن نبي وإلهام شاهين
أعلم أن القارئ الكريم، جزائريا كان أو مصريا أو من أي بلد في العالم، سيرفض أن نجمع ما بين المفكر العالمي مالك بن نبي وفنانة الإثارة والإغراء إلهام شاهين، ولو في جملة عابرة، ولكن للأسف، ما قامت به محافظة تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، جعلنا مجبرين على أن نجمعهما من باب تقديم النقيضين لإثبات أننا نسير على رؤوسنا فعلا نحو المجهول.
ولأننا ننسى أو نتناسى وأحيانا نجهل أصلا، نجد أنفسنا من باب التذكير أو الإخبار نقدم نبذة عن مفكر قسنطيني المولد والأصل يدعى مالك بن نبي، سافر إلى بلاد العالم الإسلامي من إيران إلى إندونيسيا، ومن تركيا إلى مصر، وقدّم محاضرات وبنى في عصر معقّد، لبِنات، انطلقت منها الكثير من الحضارات، وأهمها التجربة الماليزية الرائدة. وبعد الاستقلال عاد إلى الجزائر ليعصر أفكاره، فقدم للرئيس الراحل هواري بومدين مشروع السد الأخضر، ليحوّل الصحراء إلى واحات وغابات، فتبناه بومدين، وزعم أنه من أفكاره، فنجح في الزرع، وفشل في الحصاد. وقدّم مالك بن نبي للجزائر وللعالم الإسلامي فكرة ملتقيات الفكر الإسلامي، التي جمع فيها كل علماء الأمة من كل المذاهب، من القرضاوي إلى البوطي إلى الغزالي إلى موسى الصدر، ومنح الملتقى الفكري بعدا حضاريا، حتى أرعب الماركسيين والرأسماليين والرؤساء والملوك، فعملوا على نسفه ونجحوا، وعوّضوه ببرامج الشعوذة، وألهوا الأمة في حكايات اللحى والقميص وفضائيات الرقية وتفسير الأحلام وقهر السحر، وعندما حانت فرصة التكريم والتذكير الكبرى، في مدينته، التي تحتضن حاليا تظاهرة عاصمة الثقافة العربية طوال سنة كاملة، سقط اسمه، سهوا، أو جهلا أو مع سبق الإصرار والترصد.. وكلها سيان. ويكفي القول إن محافظ التظاهرة في أول لقاء إعلامي له ذكر اسم الفنانة اللبنانية نانسي عجرم ثلاث مرات، ولم يذكر اسم مالك بن نبي مرة واحدة.
ونجد أنفسنا من باب التذكير وأحيانا من باب الإخبار، نقدم نبذة عن فنانة الإغراء إلهام شاهين، بطلة تصريحات مثيرة تدعو إلى التفسخ، وبطلة مجموعة من الأفلام على وزن عناوينها مثل الحب في غرفة الإنعاش وعطشانة وحالة مراهقة ولحم رخيص وسوق المتعة. وعندما عصفت الأزمة الكروية بين البلدين الشقيقين، الجزائر ومصر، كانت من بين الدعاة إلى القطيعة، في تصريح بثته قناة الحياة المصرية الخاصة، عندما وصفت الجزائريين بالغجر وصرحت بأنها نادمة لأنها زارت هذا البلد المتخلف، وعندما حانت أكبر تظاهرة ثقافية احتضنتها قسنطينة مدينة المفكر مالك بن نبي، وحانت تكريمية الفنانة وردة الجزائرية، التي كان أول حفل في حياتها في مسرح قسنطينة، كان اسمها الأول مع الضيوف الكبار، فجلست مع الوزراء ورؤساء الأحزاب في الصف الأول، من دون أن يقول بلعيد وزميلته حنون في “المعارضة المزعومة” أي كلمة نقد، وذلك أضعف الإيمان السياسي.
نعود لنتأسف للقارئ الكريم، لأننا جمعنا بين مفكر كبير وفنانة إثارة، في مقال واحد.. ولكنه الوضع المقلوبة هو الذي دفعنا إلى ذلك؟