ما رأيكم في إلغاء بعض الوزارات؟
التصحيح الذي كتبت عنه الأسبوع الماضي بدل الإصلاح والتغيير أملا أن يتقبله أصحاب الشأن والحل والربط عندنا، صار أكثر من ضروري مع مرور الوقت وتزايد متطلبات المرحلة الجديدة، وحاجة الجزائر والجزائريين إلى قوانين وممارسات ووجوه جديدة، وإلى نفس جديد يتناسب مع التحولات التي يشهدها العالم، ويتناسب مع إرادة الجيل الجديد في التوجه نحو مجتمع حر ومتفتح ومسؤول وعادل، يسمح ببروز الكفاءات والقدرات التي يزخر بها الوطن، ويسمح لنا بتنفس هواء آخر نقي، نشم فيه الحرية والراحة النفسية ونفسح فيه المجال لإبداع الجزائري في كل المجالات.
- بموازاة مع القرارات التاريخية الهامة المتخذة على مستوى مجلس الوزراء، والقوانين الجديدة المقترحة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية، صارت الجرأة في التوجه نحو اتخاذ الإجراءات ضرورية وحتمية، خاصة مع التشاؤم الكبير والفشل الذريع والتراجع الرهيب الذي تشهده بعض القطاعات ذات الصلة بالحياة اليومية للشبان والحركة الجمعوية، وتلك التي سئم منها أبناؤنا ولم تعد قادرة على الاستجابة لتطلعاتنا وأصبح وجودها كعدمه، على غرار قطاعات الشباب والرياضة، والاتصال والثقافة، حتى نتوجه نحو مجتمع فكري وثقافي ورياضي سليم دون حقد وإقصاء، ودون وصاية تسيء إلى الشعب وإلى الوطن في نفس الوقت.
قانون الإعلام الجديد الذي يلغي تجريم المهنة ويسمح بفتح المجال السمعي البصري ويتيح للجزائريين فرصة التعبير عن أفكارهم بحرية ومسؤولية، ويفسح المجال أمام تبادل الأفكار وإثرائها، لم يعد بحاجة إلى وزارة تمارس من زمان الوصاية المهنية على مهنة ولدت حرة، وتمارس الوصاية على وسائل إعلام عمومية دون صلاحيات..
مجلس أخلاقيات المهنة، ومجلس أعلى للسمعي بصري، وضمائر الفاعلين في حقل الإعلام ستكون كافية للقضاء على الفوضى التي تعرفها المهنة والاستغلال البشع الذي يعاني منه الجيل الجديد من الصحافيين، ومحو الصورة الرديئة التي ترسخت عن الجزائر عند القارئ والمستمع والمشاهد، في الداخل والخارج على حد سواء.
إلغاء الوزارة مثلما حدث في بداية التسعينيات سيكون في صالح الاتصال والتواصل بين الدولة وشعبها ومع أنفسنا، ويسمح لأبنائنا بالتفتح أكثر ولوسائل الإعلام بتحمل مسؤولياتها في صناعة الرأي وتطوير الفكر وإثراء النقاش بعيدا عن الانتهازيين والمتطفلين على القطاع.
المشهد الثقافي التعيس لم يعد بدوره بحاجة إلى وصاية لم تستطع منذ زمن طويل إعداد قانون خاص بالفنان، ولا تملك الإمكانات لتنشيط الحياة الثقافية، ولا تقدر على تنظيم مهرجانات وحفلات وندوات وتظاهرات فنية وفكرية وثقافية في مستوى الثراء والتنوع الذي تزخر به الجزائر، وفي مستوى الكفاءات والطاقات الشبابية الموجودة التي تموت كل يوم ألف مرة وهي في عز شبابها وعطائها، لكن مواقفها وآراءها تحرجنا وأنانيتنا تقودنا إلى إقصائها وربما تجريمها لأنها تختلف معنا!
وزارة لا تتجاوز ميزانيتها 2 % من ميزانية الدولة ولا تقدر على الحفاظ على المرافق الموجودة، ولا على إنشاء مرافق جديدة، هي وزارة لا تستحق البقاء، ويتكفل بها الرئيس أو الوزير الأول من خلال هيئة استشارية وجمعيات ثقافية وفنية محلية ووطنية تستمد قوتها من روح أبنائنا وتفتحهم وثقافاتهم وحاجتهم إلى غذاء روح وفكري ينعمون فيه بالحرية في التعبير وإنشاء الجمعيات وتنشيط المشهد الثقافي والفكري والفني الكئيب.
أما قطاع الشباب والرياضة فهو أول قطاع يجب أن يتخلص من وصايته.. وصاية تشرف على رياضة مريضة بمسيريها وقوانينها واهتراء مرافقها.. وصاية تمارس الإقصاء والتفرقة، وشباب أصابته الشيخوخة قبل الأوان لأنه بقي أسير إدارة تاهت بين الاهتمام بالرياضة أو الشباب، وينتظر صدقة وعطف إداريين يحسبون التألق والامتياز بالدنانير، ويبخلون على أبنائنا بالمتعة والفرحة وتأكيد الوجود من خلال نشاط رياضي يصنع الرجال ويساهم في التنشئة السليمة.
الشباب بحاجة إلى عناية من كل الوزارات وليس وزارة واحدة، بدءا بوزارة الدفاع إلى الداخلية إلى وزارات الفلاحة والصناعة والسياحة والتربية والتكوين والتعليم وغيرها من الهيئات التي يجب أن يمثل قطاع الشباب جزءا مهما في اهتماماتها وانشغالاتها.
الرياضة من جهتها بحاجة إلى مجلس أعلى فقط يقنن ويراقب ويوجه ولا يشرف على الممارسة الرياضية التي تتحمل فيها اللجنة الأولمبية والاتحادات الوطنية مسؤولياتها أمام الجمعيات العمومية والنوادي وأمام المساهمين والممارسين، وأمام هياكل الدولة المختلفة.
أكتفي بالتوقف عند هذا الحد من القطاعات ذات الصلة بالمستقبل وبالجيل الصاعد وما يحتاجه من غذاء روحي ومعنوي وجسدي يكفي للانطلاق في تصحيح أخطاء شائعة نرتكبها منذ الاستقلال عندما نعتقد بأن الشعب في حاجة إلى وصاية، وعندما نخاف من التغيير والإصلاح، وعندما نعتقد أيضا بأن التصحيح يقتضي إدخال الرتوشات وتغيير الرجال فقط، مع بقاء الممارسات والآفات تنخر أجساد مؤسساتنا..
derradjih@gmail.com