ما خطب خطابنا؟
ما يزعج المتتبع للخطاب الديني العربي الرسمي، هو تركيزه على “التطرف الديني”، دون مراعاة أسباب ذلك، فالغلو في الدين، موجود منذ القدم، بل إننا في الواقع لا نعمل سوى على حصاد نتائج تطور غير متكافئ بين المطلب الإسلامي، المتمثل في العدالة والأخوّة بين الناس على اختلاف لغاتهم وألسنتهم ومشاربهم ومللهم ونحلهم وانتماءاتهم العرقية والطائفية والطبقية، وبين الممارسات غير الإسلامية للمسلمين أنفسهم.
الخطاب الديني المسجدي عندنا في الجزائر، أكثر تخلفاً حتى من التخلف، لأنه لا يتحدث لا عن التطرف ولا عن أسبابه، ولا حتى عن شيء آخر، غير الغرق في تفاصيل حياة لا نعيشها.. حياة ومجتمع لم يعد هو نفسه ذاته موجوداً اليوم: لا أناسه ولا أرضه ولا زمنه، حتى أني استمعت إلى درس ديني في مسجدنا القريب: تحدّث فيه الإمام بإسهاب، عن “الاستطاعة” في الحج. تحدث عن كل شيء، حتى الذي لم يعد موجودا سوى في الكتب! تحدث عن الحاج الذي يركب الجمل ليحج ومن لم يجد جملا… فماذا يفعل؟ ولم يتحدث عن الاستطاعة في “الخروج في القرعة”. ومن يستمع إليه، يفهم بأنه عليك أن تحج إذا توفرت فيك الشروط المذكورة (دون ذكر شرط النجاح في القرعة أو حصولك على فيزا الحج). ومعنى هذا، أنه عليك أن تشتري الفيزا أو أن تُرشي أحدا بشأن ذلك! ومن عنده مال، فلا بأس بذلك، لأن ذلك يدخل في “الاستطاعة” وهكذا، نجد أنفسنا نحلل الرشوة حتى في الحج! (وكثير من الناس يفتون بجواز “شراء باسبور الحج”!).
نمت، على هذا التساؤال لأجد نفسي أستمع لخطبة جمعة بشأن الزكاة ووجوبها. ولفرط ما سمعت هذا الخطاب يردد في كل سنة 4 مرات على الأقل، بنفس الطريقة وبنفس القراءة (لأن النص مكتوب، لا مجال للإضافة أو الشرح أو التحديث)، لأجد نفسي أستمع والنعاس يغلبني من فرط ما أكلت من كسكس باللبن الخاثر ومن فرط الرتابة وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية المرتكبة فوق المنبر! راح الإمام يتحدّث، ونحن في بداية الخطبة الأولى، عن التبرعات من أجل بناء “الضالة” (وأنا أكاد أنعس!).. ونمت فعلا مباشرة على سماع كلمة “الضالة”. لم أفق بعدها إلا في نهاية الخطبة الثانية، بعد أن لكزني جاري الذي كان إلى جانبي والذي لاحظ أني كنت قد بدأت “أشخر”. أفقت لأجد الإمام يقول مستطردا: ومات في هذه الواقعة سبعة!.. (وكان يتحدث عن واقعة وقعت في القرن 2 الهجري). قلت لجاري المصلي بجواري وأنا أفرك أعيني من النعاس، قلت له في أذنه ناسيا الصمت: شكون هذو السبعة اللي طاحت بهم “الضالة”؟