الرأي

ما يطلبه المشاهدون؟

إن صحّ أن أئمة مدينة آفلو، تحدثوا في خطبة الجمعة الأخيرة، عن ترقية بلدتهم إلى ولاية، مبشرين المصلين بهذا المسعى، فإن البلد تكون قد دخلت دائرة خطيرة، لا يمكن لأشد المتفائلين أن يجد نقطة ضوء في مسارها، فبعد أن سارت البلاد في ديكاتورية كاملة على مدار ثلاثة عقود، دخلت حالة من الشعبوية لا مثيل لها في كل الأنظمة الموجودة حاليا في العالم، فقد صار المواطنون في كثير من الأحيان هم من يسيّرون البلاد، وتجد الدولة نفسها صاغرة أمام بعض الأوامر ولا نقول الطلبات، لأن المواطن الذي يخرج إلى الشارع ويقطع الطريق لعدة ساعات في وجه الحركة، إنما يمارس هنا ديكاتوريته في غياب الدولة وليس ديموقراطيته أو حقه في القول.

وجاء بصيص التقسيم الإداري ليؤكد بأن النظام الجزائري لا برنامج له سوى متابعة حركة الشارع، ولن يكون التقسيم الإداري الجديد حسب دراسة استراتيجية وجغرافية أو اقتصادية كما هو الشأن في كل بلاد العالم، وإنما حسب ما يطلبه المواطنون، وأكيد ان الذي يحتج بقوة ويصرّ باعتصاماته هو الذي سينال القطعة الاكبر، بينما يبقى الهادئ المسالم، يعيدا عن العين وطبعا بعيدا عن القلب.

أحد رؤساء البلديات وهو دكتور في الاقتصاد حدثنا عن بضعة أشهر قضاها في بلديته التي حلم دائما بأن يجعلها جنة مثل مدينة إنجليزية درس فيها فقال: تسلمت زمام البلدية ورحت أقسّم الميزانية، حسب متطلبات التنمية، ولكن المواطنين، فاجئوني بطلب زرع طريق في أرض فلاحية لأجل أن تسير سياراتهم في طريق معبد ووقف إلى جانب احتجاجاتهم رئيس الدائرة، فقطع من الميزانية جزءا وأنجزت لهم طريقا ضد طبيعة المكان، وبينما باشرت مخططا فلاحيا فوجئت باحتجاجات قوية لأجل إدخال الغاز الطبيعي في مكان جبلي لا يحتوي على أكثر من عشرة مساكن، فأجبرني والي الولاية على أن أساير المواطنين، ومع مرور الأسابيع تأكدت بأن الذي يخطط هو المواطن بطريقة خبط عشواء، والدولة لا يختلف دورها عن رجل مطافئ، تحمل خراطيم المياه لأجل ان تطفئ هذا الاحتجاج أو ذاك، ولا ندري كيف سيكمل رجل المطافئ عمله وكلنا نعلم بأن الماء سينضب أو على الأصح صار صعب المنال.

 

قديما كانت الإذاعة الوطنية تقدم حصة ما يطلبه المستمعون، وكان النظام الديكتاتري لا يقبل سوى بث الأغاني التي تتحدث عن الثورة الزراعية والقرى الفلاحية، او عن الغراميات التي لا تضر السلطة، وإنما تساعدها على تنويم المواطنين، والآن وبعد أن فلتت السلطة فعلا من الدولة، صار المواطنون هم من يفعلون من دون تخطيط، وسيكون التقسيم الإداري الجديد عبارة عن ولايات تحت الطلب، بالرغم من أننا الآن نعيش في مدن لا تحمل من المدنية سوى الإسم، فلا القرية بقيت قرية كما أراد لها المكان والمناخ أن تكون، ولا هي تحولت إلى مدينة

مقالات ذات صلة