الرأي

مجلس “عزاء” للأمة؟

على هامش المشاكل التي تعاني منها الأمة، في جميع المجالات، منذ أن انهار سعر النفط وانهارت معه المعنويات، جرت نهار أمس، انتخابات التجديد النصفي لعضوية مجلس الأمة، حيث تنافس فيها، وعلى مقاعدها “المادية” المتسببون في الأزمة على طريقة “داويني بالتي كانت هي الداء”، وإذا كان الفائزون يعلمون مدى لامبالاة المواطنين، بهذه الانتخابات، وجهلهم لدور هذا المجلس إن كان له دور أصلا في الحياة السياسية والاجتماعية في الجزائر، فإنه من الواجب عليهم أن يعلموا أن زمن الجلوس على المقاعد المريحة، ورفع الأيدي، مقابل مرتبات شهرية، وامتيازات مادية وإدارية منتفخة، قد ولّى إلى الأبد، ومن غير المعقول أن تبقى الجزائر تجري الانتخابات، وتنشئ المجالس والمنظمات من أجل صرف المال العام، كما حدث دائما مع مجلسي الشعب والأمة، باعتراف الذين مرّوا على هذين المؤسستين الفاعلتين في كل بلاد العام، والمخصصتين للديكور العام في الجزائر.

وتبقى الطامة الكبرى، في مسار هذه الانتخابات، أنها سارت على طريقة الأحقاد، التي أوصلت البلاد إلى الأزمة السياسية المزمنة التي تعيشها منذ أكثر من ربع قرن، عندما منح جزائريون أصواتهم للحزب المحل، بسبب ما ملأ قلوبهم من ضغينة للنظام، ومنح البقية أصواتهم للحزب العتيد بفعل ما ملأ قلوبهم من ضغينة للإسلاميين. فقد طفا الصراع الشخصي وليس السياسي ما بين السيدة لويزة حنون وعمار سعداني إلى سطح انتخابات مجلس الأمة، فسار تيار الأولى مع التجمع الوطني الديمقراطي، ليس حبا في “أو يحيى” واقتناعا ببرنامجه السياسي، وإنما بغضا لـ”سعداني”، وسيصبح للجزائر بداية من اليوم، مجلس أمة جديد، مبني على الأحقاد، يسيّره رجال أوجدتهم “الصدفة” و”العراك” وليس الكفاءة التي من المفروض أن تكون هي جواز السفر، لبلوغ هذا المنصب الراقي، خاصة في ظرف حسّاس مثل الذي تعيشه البلاد. 

لقد حاول بعض السياسيين، التظاهر بمحاربة ظاهرة الانتخابات المادية، التي سيطرت على المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، تحت ما يسمى”الشكارة”، حيث صار بالضرورة الثراء هو الذي يُوصل أي رجل إلى قيادة البلدية أو البرلمان، وحاولوا أن يبعدوا رائحة “الدينار” و”الأورو” عن سيناتورات المستقبل، ولكنهم للأسف وقعوا في ما هو أسوأ منه، عندما صارت “المناوشات الكلامية” و”التنابز بالألقاب” هي التي تسيّر الحياة السياسية، فوجد رجل، لا يعرف الفرق بين المجلس والأمة، نفسه سيناتورا، ووجد من هو أكفأ منه نفسه خارج مجلس الأمة، وكل الذين أبدوا تفاؤلا، بتجاوز المحنة، عليهم أن يراجعوا أنفسهم حتى لا يصابوا بالصدمة، والأجدر أن يتم توقيف مختلف الاستحقاقات في الوقت الراهن إلى أن يفهم الناخب والمنتخب حقيقة أمانة الاقتراع التي تشبه في بلادنا، إلى حد كبير بيع “الخردة” في تجمعات المزاد العلني، لأن ما حدث نهار أمس، لم يكن أبدا انتخابات لمجلس الأمة وإنما مجلس عزاء لأمة صحّحت خطأ، بخطئ آخر، وعوضت سيئا بما هو أسوأ منه.

مقالات ذات صلة