جواهر
منح زخما متفرّدا للملتقى الدولي الأول للمرأة العربية

مجمّع “الشروق” يضيئ دروب صانعات المستقبل

جواهر الشروق
  • 10451
  • 20
بشير زمري

شكّل الملتقى الدولي الأول للمرأة العربية “التحديات والآمال”، الذي استمرّ ثلاثة أيام بالعاصمة، ميدانا خصبا لبحث أمهات القضايا النسائية الراهنة، وحرص مجمّع “الشروق” للنشر والإعلام عبر الموقع الالكتروني المتخصص “جواهر الشروق” على تفعيل كوكبة نوعية من “قياديات المستقبل” في تظاهرة سابقة من نوعها مازجت بين المختبر الأكاديمي التفاعلي وورش التدريب، وحُظيت أيضا بمشاركة عدة وجوه نسائية رائدة.

بروح حيوية وثّابة، كان الموعد صباح السبت الماضي مع افتتاح شائق للتظاهرة التي نظّمها مجمع “الشروق” بالتعاون مع مجموعة “ورماك” العالمية للتدريب والاستشارات، إضافة إلى مركز “بصمتي نور البتول”، وكذا مجموعة “زمزم” للسياحة وفندق “السلطان”.

واستقطب الملتقى ناشطات بارزات على غرار: الدكتورة “جيهان جادو” السفيرة الأممية للنوايا الحسنة في مجال حقوق المرأة، الأستاذة “فاطمة الزهراء بن براهم” المحامية المعروفة، و”شائعة جعفري” رئيسة المركز الجزائري للمرأة وعضو المجموعة الاقليمية للأمم المتحدة “مرأة”، البرلمانيتان “نعيمة ماجر” و”أسماء بن قادة”، وكذا “سعاد شيخي” رئيسة جمعية “إحسان”، فضلا عن “سامية بن شايب” ممثلة جمعية العلماء المسلمين.

وفي كلمته بالمناسبة، ركّز الأستاذ “علي فضيل” مدير مجمع “الشروق” للإعلام والنشر على أن الدور القيادي للمرأة يستحق أكثر من منتدى اعتبارا للمكانة الإستراتيجية التي تبوّأتها بنات حواء، في صورة التموقع المميّز لأكثر من 270 امرأة في سائر فروع مجمع “الشروق”، بينهنّ العشرات تحتلن مناصب حسّاسة.

أيقونات خماسية الأبعاد

على مدار 72 ساعة، جرى إلقاء خمس محاضرات تناولت جوانب مفصلية في المنظومة النسائية العربية، ودشّن البداية الدكتور “أحمد محمود المصري” الرئيس المدير العام لمجموعة “ورماك” الذي استعرض مقومات التمكين للمرأة القيادية، وربطها بحتمية امتلاك رؤية والقدرة على التأثير وكذا التأهيل.

وطرح الخبير المصري ثلاثة سيناريوهات: ترك الحبل على الغارب، الاستمرار في استخدام المسكّنات، والانتصار لنهج التمكين، لكنه نصح المرأة بالإيمان وتحديد مجالها المعرفي، ناهيك عن تنمية مهاراتها والاستثمار في مكوناتها مهاريا، إداريا، بيئيا ونفسيا، خصوصا مع تفوّق المرأة في الاتصال وإدارة الأعمال والتحفيز وجرأة الاعتراف بالأخطاء.

من جانبها، قاربت الحقوقية البارزة “فاطمة الزهراء بن براهم”، موضوع “المرأة في التشريع الجزائري”، وأحالت على عراقة مكانة النساء في مرحلة ما قبل 1830، حيث كانت الجزائريات “مشرقات” وكنّ رائدات حضاريا وثقافيا، ولم تكن وحشية المحتل الفرنسي لتشوّه أصالتهنّ، وواصلن حضورهن القوي في الجزائر المستقلة إلى أن اكتسحن سبع وزارات وسلسلة طويلة من القطاعات المحورية، خلافا لما يحصل في الغرب المتبجّح بحقوق الإنسان وحرية المرأة.

بدورها، شخّصت الناشطة المصرية د/”جيهان جادو” وضع “المرأة العربية بين الواقع والمأمول”، وربطته بثلاثة تحديات تتصل رأسا بتغيير النظرة الاجتماعية النمطية، التمكين الاقتصادي، إضافة إلى حضور سياسي أكبر يقتضي انخراط المجتمع المدني في الحراك العام.

وفي رابع إطلالة، تعاطت البرلمانية د/”أسماء بن قادة” مع “الاجتهاد النسوي ومفهوم الأنوثة”، ورافعت لصالح أحقية النساء بممارسة “الفتوى والاجتهاد”، كما دعت “بن قادة” لإصلاح النظامين المعرفي والفكري بعيدا عن التقديس والوصاية.

وبجانب جرأتها في المطالبة بإعادة النظر في المفهوم التقليدي للأنوثة، تصورت الدكتورة بتناغم المرأة والرجل لا تكاملهما، مثلما لم تستسغ النظرة “الغرائزية” للمرأة و”اتساع تعنيفها”، ما جعلها تنوّه القانون المجرّم للعنف ضدّ النساء، وتدافع عن أولوية الحفاظ على الإسلام الذي يحمل أبعادا رسالية وجمالية لا “دين الكذب والتدليس”.

وكان الختام مسكا مع “سامية بن شايب” ممثلة جمعية العلماء المسلمين التي استلهمت الفكر الباديسي القائم على “تحرير عقل المرأة”، وحذّرت من انعكاسات قانون العقوبات المعدّل على النواة الأسرية وطلائع الجيل الجديد، مشيرة في اتجاه آخر إلى تغريد غالبية الجمعيات في الجزائر خارج السرب، ما أفرز 80 ٪ من النسيج العام في خانة “غير فاعلة”.

نقاشات من ذهب

حفل ملتقى المرأة العربية الأول في الجزائر، بنقاشات مستفيضة شكّلت قيمة مضافة لزخم المحاضرات، على نحو ارتقى بالموعد إلى مصاف تفاعلي سمح بإذكاء هادئ للتبادلات الثقافية المعرفية لدى رواد التظاهرة.

ومن رحم المساجلات، تقاطع المشاركون عند قناعة مفادها “التمكين للمرأة ثقافة شعبية”، وتصوروا بحتمية عدم ترك التوصيات على الهامش، عبر إبلاغ الحكومات العربية بما يكفل التمكين الحقيقي للمرأة، ورأت د/”جادو” أنّ “جزئية التمكين مهمة جدا، وهي تتعلق بثقافة شعب، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

وأكّدت نقاشات الملتقى على أنّ “دور الإعلام هام جدا”، وكون “الغد العربي يبنى بوحدة عربية قوية تنتصر لأمة عربية متكاملة، وذاك يفرض اندماج تشكيلات المجتمع المدني في الحراك العام”.

وكان للدكتور “عبد الحميد يحيى” مدير عمليات مجموعة “ورماك” الدولية، طرحا نصّ على تبني الهيئة الأممية لائحة تنتصر للتمكين النسائي، وهو ما أيّدته الدكتورة “جادو”، قائلة بـ”وجود حراك أممي عام، فضلا عما تشهده الدول العربية، لكن لا بدّ من تكثيف ذلك بحيث يتم التركيز على تنمية المرأة”.

بينما لفت الدبلوماسي الفلسطيني “علي شكشك” إلى أنّ “الرجل مظلوم، والإشكال الحقيقي هو العدوان الكبير على حقوق الإنسان في منطقتنا، وما يطال المرأة رغم رمزيتها تاريخيا”، وهو ما تفاعلت معه د/”جادو” بالقول:”لا مستقبل عربي دون وحدة عربية قوية تنتصر لأمة عربية متكاملة”.

تدريب مكثف على إيقاع نابض

خضعت كوكبة من “صانعات المستقبل” لورشة تدريبية مكثفة قادها كل من د”عبد الحميد يحيى” و د/”أحمد محمود المصري” وتمّ تدريب القياديات في عدة تخصصات أهمها “خرائط العقل” و”البرمجة اللغوية العصبية”، وحرص المدربان على توظيف خبرتهما الطويلة في تأهيل القيادات النسوية من خلال إبراز نقاط القوة في كل امرأة تبحث عن التميز والجاذبية، لبث روح التحدي والتفوق لدى بنات حواء الطامحات لتذليل العقبات ورسم خطط المستقبل.

وأشار د/”يحيى” إلى أنّ تدريب القياديات العربيات يعود إلى سبعينيات القرن الماضي، غير أنّه كان تحت تسميات مغايرة، وبالنسبة للقياديات كانت المؤسسات تعمل على تنمية وتطوير مستخدماتها ضمن ما يُعرف بمصلحة “شؤون الموظفين” التي تطورت إلى ما يُسمى حاليا “الموارد البشرية”، وأورد “يحيى” أنّ خطة “ورماك” في الإعداد تقوم على التنمية البشرية اعتبارا من سن الثامنة.

لقطات مؤثرة

– دفعت المحاضرة القيّمة التي ألقتها المحامية الفذّة “فاطمة الزهراء بن براهم” بالدكتور “عبد الحميد يحيى” للاعتراف بعلو قامة الحقوقية الجزائرية، وأطنب “يحيى” في الإشادة باستثنائية “فاطمة الزهراء”، حيث أثنى على جدّها الأكبر، واعتبرها “أصيلة من سلالة الأمراء”، ما أثرّ كثيرا في القانونية الصلبة التي انخرطت في البكاء، هي “بن براهم” بشخصيتها القوية وإحساسها الجارف !

– ذكرت “شائعة جعفري” رئيسة المركز الجزائري للمرأة أنّ “الجمعيات الناشطة في الجزائر العاصمة تتوزع على ثلاثة أنواع: ثلث أول عريق يدرك وظيفته، ثلث ثان حصر مهامه في المساواة بين الرجل والمرأة وشن حربا شرسة على الرجل ما أنبت الشوك في رؤوس الرجال، فضلا عن ثلث ثالث تخصص في الحلاقة وتقليم الأظافر وطهي الحلويات، مع أنّ الجزائريات أكبر من هذا”.

– نقلت “سامية بن شايب” ممثلة جمعية العلماء المسلمين، على لسان العلامة “عبد الحميد بن باديس” قوله: “ارفعوا حجاب الجهل عن عقل المرأة قبل أن ترفعوا حجاب الستر عن وجهها”، ما دفع الجمعية للاهتمام بالتعليم، على غرار 50 مدرسة لجمعية العلماء لا تزال تنشط في العاصمة.

مقالات ذات صلة