الرأي

محمد الشريف خروبي الأصيل وطنيا وعربيا وإسلاميا يغادر دنيانا

عثمان سعدي
  • 3494
  • 12

غادر دنيانا محمد الشريف خروبي، في صباه من طلاب كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم بتيزي وزو، في مراهقته تلميذا بمدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، في شبابه من الطلبة المجاهدين الذين اختارهم عميروش قائد الولاية الثالثة فأرسلهم للمشرق للدراسة إعدادا لإطارات الجزائر المستقلة. وكان نصيب خروبي طالبا في معهد اللغة العربية في جامعة بغداد. بعد الاستقلال عمل أستاذا بثانوية عميروش بتيزي وزو.

 الوالي بتيزي وزو:

عينه الهواري بومدين الماهر في اختيار الرجال الأوفياء، واليا في تيزي وزو، فعمل على نشر العربية وجعل القبائل يفتخرون بأنهم عرب، دعاني لزيارة الولاية ، وأنزلني في فندق بتيجزيرت ، كنت مع  زوجتي وحين لمحتْ زوجتي زورقا في خليج تيجزيرت الجميل طلبتْ أن نقوم بجولة، فسألتُ طفلا فرد علي قائلا ” كلمني بالفصحى لا افهم الدارجة ” فقلت له : “هذا الزورق الذي في البحر هل سيعود للشاطئ؟” فأجاب بكلمة واحدة : “ربما” ، سألته كم عمره فقال : تسع سنوات، قدمت له مبلغا من المال وقلت له : هذه مكافأة على كلمة ربما…هذا الطفل يتكلم في بيته بالقبائلية، تعلم الدروس بالفصحى فرسخت في ذهنه صافية فأتقنها وهذا ما جعل العنصريين الكابيليست يحقدون على العربية.. وعندما رويت القصة لخروبي أجابني : ” لو خرجت إلى الشارع وقلت لأي شخص أنت لست عربيا يثور بل يمكن أن يضربك لأن عربي تعني عنده أيضا مسلم. وكما تعلم يا سي عثمان أن اللغة العربية ساهم في خدمتها البربر القبائل، فأول من نظم النحو العربي في ألف بيت هو ابن معطي الزواوي سابقا بذلك ابن مالك في ألفيته. صاحب قصيدة البُردة المشهورة بالعالم العربي والإسلامي هو البُصيري من مدينة دلس بالقبائل”.

عندما زار الرئيس هواري بومدين منطقة القبائل نظّم له الوالي خروبي بمدينة تيزي وزو استقبالا ، واضعا في المقدمة طلاب الزوايا حاملين ألواح تحفيظ القرآن في استقبال الرئيس، وقد روى لي خروبي بأنه لاحظ عيني بومدين تدمع تأثرا بهذا المنظر، هل تذكّر الرئيس وهو الصبي الذي يحمل لوحة تحفيظ القرآن بقالمة؟.

الوالي خروبي هو من بنى جامعة تيزي وزو لم تكن ميزانية لبناء الجامعة، جمع وفورات ميزانية إدارة الولاية لمدة ثلاث سنوات، مع تبرع العديد من المحسنين المؤمنين بالعربية والإسلام، وبنى الجامعة التي صارت تحمل الآن اسم مولود معمري…

وزير التربية والتعليم :

عينه الرئيس العروبي الشاذلي بن جديد وزيرا للتربية بناء على وصية مكتوبة بتوزيره تركها بومدين . نجح الوزير محمد شريف خروبي في مهمته في وضع لبنة قوية للمدرسة الجزائرية وتعريب الأجيال، وذكر الوزير بعض المواقف التي حصلت أثناء توليه حقيبة وزارة التربية، منها ما حدث في مؤتمر اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني الذي جمع عددا من الشخصيات الكبيرة في الحكم آنذاك من بينهم مصطفى لشرف ، حيث تم التضييق على مشروعه وبرنامجه بل وانتقاده. وقد أكد لي “أن هناك من تحداه وحاول تحطيم مشروعه،  لكنه رفع الرهان عاليا وهو مطمئن وفخور جدا باستعمال اللغة العربية في الكثير من الهيئات الرسمية. ولم ينس الوزير أن يتحدث عن واقعة خروج وتأليب بعض تلاميذ الثانويات تحت شعار “التاريخ في المزبلة” في عهده عندما حاول تحسين نسبة نجاح تلاميذ الشعب الأدبية، واعتبر أنه ينقل للتاريخ بأمانة ما وقع، مؤكدا أن الطابور الخامس في ذلك الوقت كان متمركزا وبقوة في الإدارة الجزائرية، وأنه وقع ضحية العديد من الدسائس، لكنه كان صارما واستطاع أن يلتف على خصومه قبل أن يلتفوا عليه فرسّم مادة التاريخ بمعادل عال. كان الوزير خروبي هو المؤيد بل ومن صناع المدرسة الأساسية التي تؤومر عليها فيما بعد فتم إلغاؤها ، وإحلال محلها نظام هجين.

كان الوزير خروبي يشرف شخصيا على تكوين الأساتذة وكان همه أن تستقر المناهج  والطرق البيداغوجية الجديدة، لأن المدرسة الأساسية قائمة على أساس إمكانية التلميذ التي تختلف من واحد إلى آخر…خروبي كان يبحث عن بناء مدرسة جزائرية بأصول عربية جزائرية مستمدة من مبادىء الثورة التحريرية، وهي النظرة التي تسببت في نجاحه وأكسبته أصدقاء وكذا أعداء تمنوا له الخروج، وهكذا كلما أنجزت الجزائر خطوة صائبة جاءت فئة لتلغيها.

رحم الله محمد الشريف خروبي، البربري القبائلي المؤمن بالجزائر العربية المسلمة ، عمل سفيرا وواليا ووزيرا فأتقن عمله، كانت منطقة القبائل في عهده منارة للجزائر العربية المسلمة، واجهه المعادون للعروبة والإسلام فتحداهم وهزمهم، بنى جامعة تيزي وزو التي حملت الآن اسم مولود معمري. من مؤسسي المدرسة الأساسية وتثبيتها والمدافع عنها ، تؤومر بعده عليها وأحلوا محلها نظاما هجينا…إلى جنة الخالدين يا محمد الشريف خروبي .

مقالات ذات صلة