رياضة

مدرب بلجيكا يقدّم لنا دروسا

وقف لاعبو البطولة الجزائرية لكرة القدم، احتجاجا، ضد تسقيف أجورهم عبر قانون يجعل أعلى مرتب للاعب كرة، لا يتعدى 150 مليون، وهو رقم جعل غير العالمين بهدر المال العام يعلمون، والناسين بأن مدحرج الكرة مرتبه أضعاف مرتب الطبيب والقاضي والمهندس، يتذكرون، رغم أن هؤلاء الثائرين من اللاعبين الذين قارب بعضهم مرتبه الشهري نصف مليار، لا أحد منهم اقتطع مكانا في الطائرة المسافرة إلى البرازيل لمواجهة منتخب بلجيكا وغيره من المنتخبات، ولأن المال هو الحكاية كلها، من ألفها إلى يائها في هاته الوقفة الاحتجاجية التي لم تختلف عن آلاف الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، فإن خبرا واحدا التقطناه من بلجيكا أعاد للمال مكانه وللواجب أيضا مكانه..

 فمدرب منتخب بلجيكا مارك ويلموتس الذي قارب سنه الخامسة والأربعين، وهو من النجوم الذين تم ترشيحهم في زمن سابق، لنيل الكرة الذهبية، قرّر التخلي عن كل مرتباته، بصفته عضو في مجلس الأمة البلجيكي، لصالح الجمعيات الخيرية التي تتكفل بالأيتام وبالعجزة والمعوقين، وقال هو على مشارف قيادة منتخب بلجيكا للسفر إلى البرازيل، بأن الله لن يبارك ماله الذي يأخذه من عالم السياسة، مادام بعض من الشعب البلجيكي يعاني المرض واليتم والفقر، واتضح بأن الرجل منذ أن تسلم مقعدا كسيناتور، وهو يحرّم على نفسه المرتب الذي تقدمه له المملكة البلجيكية، ويحوله مباشرة للجمعيات الخيرية.

أكيد أن الرجل حرّ في ماله، وهو ليس نبيا وجب اتباعه، وأكيد أن لاعبي البطولة الجزائرية الذين لم يحتجوا في حياتهم على الشتائم في المدرجات ولا على أرضيات العشب الاصطناعي، ولا على البيع والشراء في عالم كرتنا، والمحترفين والطاقم الفني للمنتخب الجزائري كلهم أحرار في إعلانهم الاحتجاج أو المطالبة بالمنح والمرتبات المنتفخة، وهم ليسوا شياطين حتى ننبذهم، وأكيد أيضا أن رجالات السياسة في الجزائر ومنهم البرلمانيون وأعضاء مجلس الأمة، أحرار، عندما يطالبون بامتيازات ويسارعون لأخذ مرتباتهم ويطلبون المزيد، بمن فيهم الذي يزعم بأنه معارض، ولاعن، للدولة، يسبح ضد تيارها، إلا أن المشكلة، في زعم الوطنية والتضحية، والتنظير باسم الشعب، وتذكير الناس بالواجبات التي يقدّمها هذا اللاعب الراكض خلف كرة، أو السياسي الراكض خلف منصب، بينما تصل الدروس من الكثير من البلدان الإفريقية والأوروبية، حيث نكران الذات الفعلي وليس بالقول، هو العلامة الوحيدة التي تبيّن الوطنية كما فعل هذا المدرب، الذي سجل عندما كان لاعبا، في عام 2002 هدفا نادرا في مرمى البرازيل، فرفضه بالخطأ الحكم.. وقال للصحافة: ارحموا الحكم فهو بشر معرض للخطأ.

غرق الجزائريون، في الماديات فقط، هو الذي جعل المجاهدين يختصرون ما تبقى من حياتهم في رخص السيارات والمنح، والأطباء في المرتبات والسكنات، والأساتذة في الامتيازات المالية والقروض، واللاعبين في مرتبات ربع ونصف مليار سنتيم شهريا، وللأسف بعد كل هذا يحلم الجزائريون فقط بفوز غلام وفيغولي وتايدر على أشبال مارك ويلموتس كرويا، ولا أحد يتمنى أن يكون لنا لاعب كرة أو سيناتور يشبه ويلموتس.

مقالات ذات صلة