مرحلة الحرب الأهلية
بات من الواضح تماما الآن أن قصف طائرات حلف الناتو لليبيا لا يستهدف الإطاحة بنظام القذافي وإضعاف كتائبه وقوته العسكرية بقدر ما يستهدف إحداث أكبر قدر ممكن من الدمار والخراب في المنشآت والبنيات التحتية الليبية دون مفاضلة أو تمييز بين المدني والعسكري أو بين عناصر القوات المسلحة الليبية والمدنيين العزل الذين أصبحوا يموتون بالعشرات يوميا تحت هذا القصف ما بين النساء والرجال والأطفال.
-
ومن باب العزيزية بالعاصمة طرابلس، بدعوى القضاء على مؤسسات القذافي وشل قدراته على المقاومة والبقاء، امتد هذا القصف الإجرامي إلى مختلف أنحاء البلاد الليبية، مستهدفا المنشآت المدنية والعمرانية بالدرجة الأولى وبوحشية لم يسبق لها مثيل، وبالأمس فقط استهدفت طائرات الناتو أحياء سكنية كاملة بالقرب من طرابلس وأحدثت دمارا شبه كلي، فدمرت عددا كبيرا من المرافق الصحية والإدارية والتعليمية ولم تسلم حتى السوق المحلية التي سقطت على رؤوس تجارها وروادها الذين مات منهم العشرات تحت الشظايا والأنقاض. وأمام هذه التصرفات الشنيعة لحلف الناتو التي لا يتحملها عاقل ولا مجنون، يبدو وكأن العصابات الانقلابية وشذاذ الأفاق المتموقعون في بنغازي تحت تسمية المجلس الثوري الانتقالي قد أصيبوا بوخزة ضمير لما فعلوه ببلدهم ومن خياناتهم العظمى فسارعوا، ولكن بعد خراب مالطا وصم آذان الغرب، إلى مطالبة قوات الحلف لتوفير المنشآت القاعدية والبنى التحتية من القصف حتى لا يقع لليبيا ما وقع للعراق من دمار شامل، فيما كانت هذه العصابات هي من هدى الحلف إلى هذا الأسلوب التدميري وفتح عيونه وشراهته على التركيز على فترة ما بعد الحرب وعمليات إعادة الإعمار وما يستدره من أموال ورهن للنفط الليبي وتواجد استعماري مباشر بقدر ما يكون الدمار شاملا والخسائر كبيرة. ويمكننا أن نتصور كم ستكون طلبات التعويض من طرف دول الناتو كبيرة وجسيمة وثقيلة على كاهل ليبيا والشعب الليبي في مقابل الخمسين مليون دولار التي تصرف يوميا على هذه الحرب منذ بدايتها قبل عدة شهور؟. وهذا ما جعل الشعب الليبي يهب من تلقاء نفسه في قبائل وجماعات ضد عصابات بن غازي في بنغازي نفسها وهذا ما جعل الانقسامات تدب في أوصال المجلس الانتقالي الذي يعيش حربا أهلية داخلية حقيقية، خاصة منذ تصفية رأسه العسكرية اللواء عبد الفتاح يونس على يد أنصار مصطفى عبد الجليل الذي يريد أن يستولي على كل شيء ويحول الليبيين إلى عبيد وأقنان والذي أصبح بواجه حتى أعضاء مجلسه الثوري والمقربين إليه مما دعاه إلى إقالة هيئته الاستشارية أو الحكومة المؤقتة وهي العملية التي قد لا تمر على خير بالنسبة لهذه العصابات. وهذا هو مصير الثورة غير السوية عندما يلبسها الانقلابيون والمجرمون.