الجزائر
يأتون من ولايات بعيدة والفنادق ترفض استقبالهم

مرضى ينامون في السيارات ويفترشون الطرقات في انتظار مواعيدهم الطبية

زهيرة مجراب
  • 3118
  • 5
أرشيف

تصادفهم عند عتبات المستشفيات داخل سيارات الأجرة أو في محطات الحافلات يتخذون جانبا تقل الحركة فيه ليريحوا أجسادهم على واحد من المقاعد، فبالرغم من ألم المرض الذي ينخر عظامهم فأنهكهم والمسافات الطويلة التي قطعوها ليصلوا إلى العاصمة والجوع الذي يمزق أمعاءهم، لكنهم يقضون وقتهم في ترقب سطوع الشمس حتى يكونوا أول من يحجز الدور لمقابلة الطبيب أو القيام بالفحوص والتحاليل ليعودوا أدراجهم إلى منازلهم وكلهم قلق وتفكير في الموعد القادم.
تتكرر الصورة في كل صباح باكر تمر فيه بمحاذاة المستشفيات عائلات قدمت من ولايات بعيدة وهو ما يمكن معرفته من خلال ترقيم السيارات، التي تنتظر أن تفتح مصالح المستشفيات أبوابها حتى يخضع مريضها للفحص أو يمنح جرعات من العلاج، تكون في الغالب غير مجدية لأن البرد قد تملكه والجوع والتعب قد نالا منه. فبعض هذه العائلات الفقيرة تستعين بمعارفها والمحسنين للقدوم إلى المستشفى وهناك من لا تملك ثمن الفندق وأخرى حتى وإن كان بحوزتها فلا يسمح لهم بالمكوث فيه لأن مريضا برفقتهم.
تحكي لنا إحدى السيدات التي تضطر للقدوم من ولاية تيزي وزو، كل ثلاثة أشهر برفقة ابنتها المريضة حتى يفحصها طبيبها، أن الموعد الطبي أصبح مصدر رعب لها وللعائلة كلها، فهي تضطر إلى الخروج من البيت في الصباح الباكر وينتظرون داخل السيارة إلى حين السماح لهم بالدخول، فيكون البرد قد تمكن منهم، وما يزيد من انزعاجها صعوبة العثور على مكان تغير فيه حفاظة ابنتها قبل إدخالها إلى الطبيب.
في الوقت الذي اضطرت فيه إحدى المسنات التي قدمت من ولاية برج بوعريريج، رفقة زوجها المصاب بالشلل الرعاش إلى المبيت في محطة الحافلات، فهما لا يعرفان أحدا في العاصمة ولا يملكان المال للتوجه إلى الفندق بعدما أعانهما المحسنون بالمال للقدوم إلى المستشفى، ليقررا البقاء في المحطة بالرغم من البرودة الشديدة في انتظار شروق الشمس والتوجه إلى المستشفى.. وهو المنظر الذي فطر قلب أحد المارة فتوجه إليهما وعرض عليهما التوجه برفقته للمبيت في بيته مع عائلته، وفي اليوم الموالي أوصلهما إلى وجهتهما.
وأكد لنا غالبية الأولياء اصطدامهم برفض الفنادق والمراقد استقبالهم عندما يشاهدون مريضا برفقتهم، سواء كان هذا المريض معاقا حركيا فيخشون على نظافة الغرفة والأفرشة أم كان مصابا ببعض الأمراض كالتوحد أو تأخر ذهني وكثرة الحركة، فيرفضون بحجة عدم توافر غرف شاغرة، وهو ما أطلعنا عليه أيضا العديد من أولياء الأطفال المصابين بالفينيسيتونوريا، الذين يضطرون إلى التنقل من جميع ولايات الوطن مرة كل ثلاثة أشهر لإجراء تحاليل الدم في مستشفى مصطفى باشا بحكم كونه الوحيد على المستوى الوطني الذي يجري هذا النوع من الاختبارات، لكن الإشكالية تكمن في الإقامة، حيث يصعب عليهم العثور على مكان يقضون فيه ليلتهم مع أبنائهم المرضى. والحال ذاتها بالنسبة إلى المصابين بالسرطان والأمراض الأخرى الذين يجدون أنفسهم متشردين دون مأوى حتى يتطوع المحسنون باستضافتهم.
وتسببت إشكالية المبيت في تخلي الكثير من المرضى عن العلاج ليكتفوا ببعض المهدئات فقط لتقلل من أوجاعهم، وقد تفطنت العديد من الجمعيات الخيرية والمجوعات الفايسبوكية إلى هذا المشكل الذي زاد المرضى وذويهم هما وبات يؤرقهم في كل مرة، ليفتحوا مساكنهم وبيوتهم لاستضافة المرضى القادمين من ولايات بعيدة ويعملون على توفير المأوى والطعام وحتى النقل أحيانا خلال فترة وجودهم في العاصمة، فما عليهم سوى جلب الوثائق الطبية الضرورية التي تحتوي على الموعد ويتواصلون معهم. كما ذكر المكلف بالإعلام في الجمعية الوطنية لمرضى الفينيسيتونوريا، عجوج محمد، عن وجود مخطط للجمعية لإنشاء منزل لاستقبال المصابين بهذا المرض النادر وذويهم عند قدومهم إلى العاصمة.

مقالات ذات صلة