-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسؤولية التحلي بالمسؤولية

عمار يزلي
  • 238
  • 0
مسؤولية التحلي بالمسؤولية

عودة الاحتجاجات والإضرابات في بعض القطاعات، لها ما يبررها، ولكن عليها أيضا ما عليها: فهي تأتي في سياق وظروف خارجة عن المألوف: ظروف اقتصادية صعبة بسبب الخناق الذي فرضته الجائحة على كل دول العالم، ومنها تلك الخاضعة للسوق الدولية من منتجاتها الأساسية الغذائية والاقتصادية لتمويل العجلة الإنتاجية، وبالتالي صعوبة التمويل بنفس المعايير السابقة، سعرا وإجراءات أمنية في النقل والمراقبة والجمركة، وكل ما يتعلق بالمساهمة في الزيادة في سعر النقل. كل هذا يُضاف إلى توقف الكثير من المؤسسات العالمية والوطنية لفترة طالت أم قصرت عن الإنتاج وعن التموين والتمويل وتقلص بسبب الجائحة، ولكن أيضا -وهذا عندنا وعند نماذج من اقتصادات الدول النامية- بسبب شحّ الموارد من مداخيل النفط الذي عرف انهيارا في الأسعار بشكل لم يسبق له مثيل، قبل أن يشرع في التعافي مع بداية تعافي الاقتصاد العالمي جرّاء دخول اللقاحات حيّز التقليص من حجم الإصابات والإغلاق.

مع ذلك، الوضع العالمي للوباء لا يزال مقلقا ومكلفا ومؤثرا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلدان الغربية كما في البلدان التابعة اقتصاديا لها. أثر لا يمكن أن ندرك مداه اليوم، ولكن آثاره النفسية والاجتماعية ستبدأ في الانكشاف بعد سنوات قليلة. العالم سيجد نفسه كما وجد نفسه عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية: اقتصاد منهك، وضع نفسي وصحي واقتصادي ومعيشي رهيب، وظواهر اجتماعية جديدة تظهر للعلن، من اضطرابات وإضرابات وعنف شوارع، وجرائم قتل وسرقة. هذه الظواهر عادة ما تظهر أثناء وبعد انتهاء الأزمات الكبرى كالحروب والتغيُّرات الفجائية الطارئة، لاسيما في غياب أسلوب ناجع لـ”تسيير الأزمة”. هذه الظواهر الاجتماعية يراها علماء الاجتماع على أنها “آليات دفاعية” ضد الانهيار الإنساني في ظل الانهيار العامّ للوضع الناجم عن هذه الأزمات العالمية التي تمسّ كل البلدان بدون استثناء بسبب الترابط العضوي بينها؛ اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.

عودة الإضرابات والاضطرابات إلى بعض القطاعات، لا يعني أن القطاعات الأخرى متعافية، راضية مرضية، فالكل يعيش نفس الظروف ولكن بدرجات ثقل متفاوتة، مما يجعل المؤسسات الاجتماعية من جمعيات ونقابات، وأيضا الوصايات الإدارية تتحمّل مسؤولية تقاسم الأعباء عبر حوار مستدام ولو كان شاقا بهدف تجنب المزيد من إضعاف المؤسّسات إزاء الوضع الذي يعاني منه الجميع، خاصّة ونحن في شهر رمضان، وأبواب الانتخابات التشريعية مشرَّعة منذ الآن.

الظروف التي نمرّ بها جميعا منذ سنوات، زاد في طينها بلّة الوباءُ والإغلاق العامّ والنسبي الذي أثّر، ليس فقط اقتصاديا واجتماعيا على الفرد، بل أثر عليه نفسيا أيضا، رغم أن الناس في الخارج يبدون مرتاحين، لكن رفض وضع الكمامة والتباعد، هو جزءٌ من هذا الرفض الناجم عن الحجر الجزئي الذي طال، والذي ساهم في إطالته هذه الممارسات نفسها. المواطن رغم أنه ضحية، لكن هو المسؤول الأول عن أن يكون ضحية نفسه قبل غيره. الرفض هو حالة تعبِّر عن تذمُّر من “تقفيص” المجتمع وتقليص الحريات الفردية، نرى هذا أيضا في أعتى الديمقراطيات التي تقدِّس الحريات الفردية. الفرد هو واحدٌ في أي مكان، بألوان ثقافية وسلوكية مختلفة باختلاف الانتماء الحضاري والثقافي للبلد والفرد، لكن رد الفعل هو إنسانيٌّ أينما كنا، مما يجعل الخطأ فرديا وجماعيا والصواب أيضا فرديا وجماعيا، سواء كان ذلك ضمن أُطر المواطنة أو ضمن أُطر المؤسسات المسيِّرة والمشرفة على تأمين حياة آمنة واطمئنان عامّ لدى الأفراد والجماعات، على الحياة، والصحة، والشغل.. والحرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!