-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬التكميلي‮ ‬2011‮: ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‮ ‬إلى‭ ‬أين؟

بشير مصيطفى
  • 5619
  • 4
مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬التكميلي‮ ‬2011‮: ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‮ ‬إلى‭ ‬أين؟

ينتظر أن يصوت البرلمان ـ المجلس الشعبي الوطني ـ إيجابيا وبالإجماع على مشروع قانون المالية التكميلي للدولة للسنة الجارية والذي سجل رقما قياسيا في بند النفقات لامس 8275 مليار دينار، أي بزيادة قدرها 25 بالمائة عن تخصيصات قانون مالية 2011.

  • وبالنظر إلى وضعية الاقتصاد الوطني في جانب المؤشرات الكلية والتي تتسم بمستوى نمو يقل عن التضخم وبأسواق غير متوازنة في جانبي العرض والطلب الكليين، عدا سوق النقد التي لاتزال موجهة مركزيا وغير مرنة، فإن الاتجاه نحو زيادة الإنفاق العمومي بالشكل الذي يبرزه القانون التكميلي يجسد بالفعل سياسة الدولة الاجتماعية، بغض النظر عن النتائج المتوقعة على الجانب الاقتصادي. فإلى أي حد يمكن أن تحقق الأدوات المالية للدولة نجاعة السياسة الاجتماعية المنتهجة لحد الآن؟ ولماذا لايزال الحوار المتعلق بالاصلاحات الاقتصادية محتشما، ضيّقا وغير ملامس للملفات‭ ‬الرئيسية‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬مجالس‭ ‬الحريم‭ ‬في‭ ‬القصور‭ ‬الفخمة‭ ‬الكبيرة؟
  •  
  • تحويل‭ ‬الإنفاق‭ ‬الحكومي‭ ‬عبر‭ ‬قوانين‭ ‬المالية
  • لن تحتاج إلى وقت طويل كي تكتشف القطاعات المنتظر أن تصرف فيها الحكومة اعتمادات قانون المالية التكميلي والتي هي: أجور الوظيف العمومي المتأخرة، دعم أسعار المواد الغذائية واسعة الاستهلاك، تمويل آليات التشغيل، السكن والأشغال العمومية، البناء الريفي، تأهيل المؤسسات، وأخيرا التجارة والمناطق الصناعية. والأهم من ذلك، أنك لا تحتاج إلى وقت طويل كي تعلم بأن القطاعات المذكورة هي نفسها القطاعات التي تشكل الجزء الأهم من الطلب الداخلي الكلي، أي الطلب على الاستهلاك، الطلب على العمل، الطلب على السكن ولا تعني بالضرورة الطلب على الاستثمار، لأن ذلك يشترط قرار الطلب على الانتاج من طرف المؤسسة وهو قرار جزئي مبني على أسعار السوق وأجور العمال وتكاليف الانتاج وجميعها متغيرات في غير صالح المؤسسة الوطنية في الوقت الراهن. فكيف تمكنت الحكومة من تمرير اعتمادات مالية بهذا الحجم خارج نطاق‭ ‬الجباية،‮ ‬لاسيما‭ ‬الرسم‭ ‬على‭ ‬أرباح‭ ‬الشركات‭ ‬الذي‭ ‬يواكب‭ ‬عادة‭ ‬نمو‭ ‬القطاعين‭ ‬الصناعي‭ ‬والزراعي‭ ‬وحدهما‭ ‬دون‭ ‬القطاع‭ ‬التجاري‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬في‮ ‬الحالة‭ ‬الجزائرية‭ ‬تهربا‭ ‬جبائيا‭ ‬سنويا‭ ‬يقدر‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬مليار‭ ‬دينار؟
  •    استفادت الحكومة من الوضع المريح لسعر البرميل من النفط ومن التقدير المتدني للسعر المرجعي في قانون المالية العادي، ونستطيع أن نقول بأن الانفاق في قوانين المالية التكميلية للجزائر ماهو سوى ترحيل للانفاق العادي بناء على الفرق بين القيمة المقدرة للنفط عند مستوى 37 دولارا والقيمة الحقيقية التي لم تنزل عن 70 دولارا العام 2010 ولن تنزل عنها العام 2011. وربما هذا الذي ساعد على توفير هامش واسع للقدرة الانفاقية للدولة في الوقت الراهن دون مخاطر كتلك التي تصحب عادة الاتكاء على الجباية العادية.
  •    واستفادت الحكومة أيضا من مرونة الخطاب السياسي للدولة في تعاطيه مع الشأن الاقتصادي حيث تبدو الأولوية لصالح “التهدئة الاجتماعية” و”التحويلات” في المدى القصير، بغض النظر عن الانعكاسات الاقتصادية على المديين المتوسط والطويل، ولهذا ارتفع الدعم الذي تخصصه الحكومة لأسعار 4 مواد غذائية وحدها إلى 2 مليار دولار في قانون المالية التكميلي الجديد وهو توجه معارض لسياسة الانتاج الوطني ومحفز للطلب الداخلي في فرع يعتمد على الاستيراد بنسبة تقارب 100 بالمائة، وهو ما يفسر ـ بالضبط ـ ارتفاع فاتورة استيراد المنتجات الغذائية بين‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‮ ‬2011‭ ‬ونظيره‭ ‬من‭ ‬2010‮. ‬
  •  
  • سياسة‭ ‬رفع‭ ‬الطلب‭ ‬هل‭ ‬تعني‭ ‬التوسع؟
  •  يخص الإنفاق الحكومي برامج ضخمة تعني أسواقا وطنية تعيش تحت الضغط مثل سوق العمل الذي يتصف بمخزون بطالة قدره ـ حسب الأرقام الرسمية المعلنة ـ 1.7 مليون شخص أو 3 ملايين ـ حسب مصادر غير رسمية ـ وتدفق سنوي قدره 280 ألف شخص منهم 160 ألف حملة شهادات، برامج ضخمة في هذا المستوى تتطلب اعتمادات مالية حقا مهمة، ويتعلق الأمر في الخطة الخمسية الجديدة بمليار دولار من أجل توفير 2 مليون منصب وإطلاق 200 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، إضافة الى 40 ألف مؤسسة مصغرة.
  • ومن الجانب التقني البحت، ليست هذه هي التجربة الأولى التي خاضتها الجزائر في هذا الاتجاه، حيث بدأت الحكومة في ضخ السيولة لغرض التشغيل منذ البرنامج الانمائي الأول العام 2001. ولكن نتائج العملية لم تكن في مستوى حجم الانفاق العمومي بسبب الطابع الاجتماعي للعملية وعدم تطبيق معايير النجاعة على المؤسسات الجديدة، إضافة الى ارتفاع أعباء القروض والايجار والعقار. تجربة وصفت بغير الناجحة دفعت بالسلطات العمومية الى الضغط على تلك الأعباء من خلال الاجراءات التي تناولها قانون المالية التكميلي 2011 والتي عكست التدابير التي أقرها مجلس الوزراء في فيفري 2011 أي خفض الفوائد على القروض ورفع سقف القروض بدون فوائد والتنازل عن العقار الزراعي بصورة أكثر مرونة لفائدة الامتياز وإطلاق مشروع 36 منطقة صناعية وتمديد فترة الإعفاء من الأداء الجبائي لفائدة حملة المشاريع، ولكنها في كل الأحوال تدابير‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الاتجاه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بسبب
  • غياب رؤية حكومية للتوجهات المفضلة للاستثمار ـ طبيعة السوق الوطنية المنفتحة على التجارة الخارجية مما يعيق عملية التسويق أمام المستثمر الصغير ـ غياب تام لثقافة المقاولة لصالح قطاعي التجارة والمناولة.
  • ولهذا‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يصب‭ ‬ضخ‭ ‬السيولة‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬رفع‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬النقود‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الداخلية‭ ‬دون‭ ‬مقابل‭ ‬مضمون‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬نسبة‭ ‬التضخم‮. ‬
  •  
  • تمويل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الانتاج‭ ‬بدل‭ ‬الخزينة
  • هناك حالة واحدة يمكن فيها تجنب هذا السيناريو، هو توجيه آليات وحوافز التشغيل نحو القطاعات كثيفة العمالة ومرتفعة القيمة المضافة وهي: البتروكيمياء ـ الصناعات الغذائية ـ الصناعات الميكانيكية والالكترونيك ـ الصناعات المعرفية والصناعات عالية التقانة.
  • وأيضا هناك آلية يمكن للدولة استغلالها في هذا الاتجاه وهي تملك أصول المؤسسات المتعثرة وإطلاق شركات صغيرة ومتوسطة بملكية حكومية بحتة في القطاعات المذكورة على أن تتم خوصصتها فورا بصيغة التسيير لفائدة الكوادر الشابة والطموحة، والافراج عن الاستراتيجية الصناعية التي‭ ‬تنوي‭ ‬الدولة‭ ‬إطلاقها‭ ‬على‭ ‬آفاق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬أو‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬النفط‮. ‬
  •    هناك ملفات ينبغي ادراجها ضمن خانة الاصلاحات المنتظر أن تباشر السلطات حوارا وطنيا حولها بدءا من الأسبوع القادم أي: مستقبل القطاع الخاص والخوصصة، الاستراتيجية الصناعية، تثمين أصول الدولة في سندات الخزانة الأمريكية والمعرضة لمخاطر حقيقية في أية لحظة، مستقبل الصناعات الغذائية في ظل الدعم المستمر للأسعار من قبل الخزينة، مستقبل القطاعات المهددة بالزوال في حالة فشل المفاوضات مع الاتحاد الأوربي بشأن إعادة جدولة التفكيك الجمركي مثلما وقع لقطاعي النسيج والجلود، تحرير القطاع المالي بشقيه البنكي والجبائي، السياسة النقدية للدولة بخصوص سعر الفائدة وسعر صرف الدينار، برنامج الطاقات البديلة للدولة وبدائل النفط في تثمين الموارد المنجمية، الرقابة على المال العام، الرقابة على التجارة الخارجية، كسر الاحتكار في القطاعات ذات المردود التجاري، وأخيرا الدور الاقتصادي للدولة في حفز‭ ‬النمو‭ ‬خارج‭ ‬المحروقات‭ ‬ومن‭ ‬ثمة‭ ‬تحسين‭ ‬وضعية‭ ‬الميزان‭ ‬التجاري‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭ ‬خارج‭ ‬تدابير‭ ‬الانفاق‭ ‬العام‭ ‬والتدخل‭ ‬المباشر‭ ‬للخزينة‮. ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • Aber Sabil

    بعد الحرب العالمية الثانية اتخذت الدول الغربية سياسات قائمة على الانفاق الحكومي نظرا لانعدام المبادرة الفردية وضعف رؤوس الأموال الخاصة ولكن إلى حين. حيث قامت ببناء البنى التحتية لجميع القطاعات (طرق، مستشفيات، سكنات...) وبعد حوالي عشرين سنة تمت عمليات خوصصة للصناعات والخدمات بما يتماشى والمصلحة العامة.
    الانفاق الحكومي مطلوب ولكن يجب أن يكون مدروس بعناية، والأكثر أهمية هو الادخار لاعادة تمويل الاستثمار وهي الحلقة المفقودة فاقتصادنا

  • ali

    الحمد لله لازال هناك امل و الامل شىء جميل و الاشياء الجميلة تبقى للابد

  • منصوري ليلى

    هل الدولة لا تعلم بهده النقاط التي اثرتموها دكتور او انها تتجاهلها لانها لا تريد لهدا البلد ان يرى التطور يوما

  • megatta abdenour

    دائما للأمام شكرا على كل ما تقدموه لنا أنتم الأفضل