مشكلتنا أكبر وأعمق!
ترددت كثيرا هذه المرة قبل الخوض في شؤون المنتخب الجزائري لكرة القدم إثر المباراتين الوديتين أمام غينيا والسنغال اعتقادا مني بأن تقييم عمل الناخب الوطني والحكم عليه قبل بداية تصفيات المونديال هو أمر سابق لأوانه، واعتقادا مني أيضا بأن مشكلة الكرة في الجزائر ومشاكل منتخبها هي أكبر من المدرب في حد ذاته، وأكبر من طريقة لعب لم نستقر عليها، أو تشكيلة لايزال يبحث عنها غوركوف، لذلك فإن بقاء المدرب أو رحيله في هذا الظرف بالذات لن يحل مشكلة الكرة في الجزائر، ولن يكون السبب المباشر في تأهل أو إقصاء المنتخب.
لا أريد الخوض في كل التفاصيل حتى لا أحسب على المدرب أو ضده مثلما نصنف بعضنا بعضا اليوم، ولا أريد انتقاد خياراته أو تبريرها، لأن جمهور اليوم يعرف الكرة، ولم يعد في حاجة إلى تحاليلنا وتعاليقنا التي تحمل الكثير من الذاتية، ولكن الأكيد أن مشكلة منتخبنا وكرتنا أعمق بكثير مما نتصور، ومهمة الإشراف على منتخب الجزائر لكرة القدم هي أصعب من مهمة رئاسة الجزائر في حد ذاتها، خاصة وأن الجزائريين لم يعد يؤثر فيهم التقصير الحاصل في كل المجالات بقدر ما يستفزهم تراجع أداء ونتائج منتخب بلادهم.
النقاش الدائر هذه الأيام في الأوساط الجماهيرية والإعلامية لم يخرج عن نطاق ضرورة رحيل المدرب وتعويضه بمدرب آخر من الآن، أو بقائه وتجديد الثقة فيه وانتظار مباراة تانزانيا على الأقل لتقرير مصيره، وكأنه لوحده من يتحمل مسؤولية الفشل أو النجاح، ولوحده يتحمل مسؤولية تراجع أداء اللاعبين، وتصرفاتهم فوق الميدان وخارجه، أو كأننا سنلعب أفضل ونتأهل إلى المونديال إذا رحل الناخب الحالي وجاء في مكانه مدرب آخر!
النقاش الدائر هو نقاش سطحي يبحث عن الحلول السهلة المتمثلة في إقالة المدرب وتعيين مدرب آخر، لكن ما هي حجة إقالة المدرب؟ وهل يمكن إقالة مدرب بسبب خسارة في مباراة ودية؟ ومن هو المدرب الذي يخلفه؟ وأين نجده اليوم؟ وهل في إمكانه أن يحل مشاكل اللاعبين، ويستقر على طريقة لعب، ويؤهلنا إلى المونديال المقبل؟ وإلى متى نبقى نعالج مشاكلنا بمشاعرنا وبقلوبنا وليس بعقولنا؟ وهل تسيير منتخب الكرة هو مهمة جماعية يطلع بها كل الناس، وكل واحد فينا يحق له إبداء رأيه والإصرار عليه؟
لا أحد يتحدث عن الحقائق كما هي ويقول للناس الحقيقة المرة التي نعيشها في ظل بطولة ضعيفة، ولاعبين محليين محدودين، وآخرين محترفين مستواهم متذبذب، وإعلام تطغى عليه الذاتية ويتجاوز حدود صلاحياته أحيانا ليصبح هو المدرب واللاعب والجمهور. ولا أحد يتحدث عن صعوبة الحفاظ على مستوى المنتخب بعد مونديال البرازيل، منذ صار منتخبنا الشبح الأسود لكل المنتخبات الأفريقية!
صحيح أن الجمهور تحركه المشاعر ولا نلومه عندما يغضب ويحتج وينتقد، لكن لا يجب أن لا يتعدى حدوده، ويتخلى عن واجبه، ويكون أداة تستعملها بعض الأطراف لزعزعة استقرار المنتخب الذي يمر بمرحلة صعبة، لكنه لم يخسر في تصفيات كاس أمم أفريقيا ولم يدخل بعد تصفيات كأس العالم وبالتالي فإن رحيل مدرب منتخب قبل شهر من الدور التمهيدي لمونديال روسيا بسبب خسارة في مباراة ودية هو أمر مبالغ فيه ويمثل مغامرة كبيرة.
انتقاد المدرب من طرف المحللين والإعلاميين هو أيضا أمر طبيعي وضروري لتنوير الرأي العام وتصحيح ما يجب تصحيحه، لكن ليس من أجل الانتقاد وإحباط المعنويات وتصفية الحسابات مع رجل يعتقد بعض الخبراء في الكلام بأنه أخذ مكانهم ولقمة عيشهم!
الناخب الوطني من جهته مطالب بتحمل تبعات ضغوطات تدريب منتخب بحجم منتخب الجزائر بكل إيجابياته وسلبياته وتناقضاته، وبالتالي فهو مطالب بالمحافظة على أعصابه وتوازنه وعدم الإدلاء بتصريحات مستفزة تجاه الصحافيين والجماهير، وإذا لم يقدر على ذلك، ولم يقدر على التحكم في مجموعته وتحسين أدائها وتحقيق أفضل النتائج فليرحل من الآن بكل الاحترام المتبادل قبل فوات الأوان رغم أن رحيله أو بقائه لن يحل مشاكل المنتخب الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى “غول” قد يأكل كل شيء يصادفه في طريقه!