مصروف بالمجان؟ (الحلقة 19)
اليوم، كان علي أن أذهب للسوق لطلب رزق اليوم وغدا وربما بعد غد، فلا أدري ما ستفعله بي الأيام غدا.. قلت: سآخذ مبلغا معتبرا يكفيني لثلاثة أيام حسوما. أخذت ألف دينار (ولم يبق من ماهية الشهر سوى ألف أخرى، وللعلم، فإن نصف ماهيتي الشهرية في رمضان “مسلف” و”مكردي”، مع ذلك يتهمونني في البيت بأني “قليل الصرف” ما نصرفش بزاف. قلت لهم: الصرف من الإسراف، والإسراف من التبذير والتبذير من الشيطان (في الواقع أنهم لا يأكلون سوى ربع ماهيتي الشهرية، البقية من الدينار البيض أدخره لليوم الأسود، لعلني أشتري سيارة أو أبني طيارة، أو تبان لي كاش زيارة!.
من البيت وأنا أتكلم لوحدي لكي أسكت الغضب الذي في كرشي، فالناس يحملون الغضب في قلوبهم وأنا أحمله في بطني، عندما أجوع، لا أعرف أحدا يبدو لي الناس كلهم قابلين للاشتعال، والجوع عندي هو الدخان، فلا جوع بدون دخان، لهذا يبدو لي الناس “قارويات” ومرة على مرة أريد أن أشعل فيهم أحدا.
قلت إني خرجت وأنا أكلم نفسي حتى لا أفكر في الجوع، أي في الدخان.. مع ذلك، صادفني أول خضار وهو يصيح بأعلى صوته: كول آالمسكين كول.. كول ووكل.. باطل.. باطل. قلت: لعله يريد أن ينال حسنات في هذه الأيام من رمضان.. سوف آخذ عليه ما عنده. قلت له: أعطيني 4 كيلو فلفل و4 كيلو بطاطا وزوج كروطة وكيلو باذنجان. قاطعني: غير بالسياس آالحاج.. عاود واش يخصك.. (وراح يصرخ): باطل آالمسكين.. كول ووكل.. أربح أربح آالمسكين.. باطل باطل.. زيد واش يخصك آالحاج.. قلت له: 3 كيلو بصل وراس خرشف، وكيلو كابويا وزوج لوبيا خضرا.. إيه ونسيت.. 5 كيلو طماطم. هذا ما عندك ياك؟ كل هذا وأنا بفمي الذي لا ينطق لا السين ولا الشين ولا الصاد، وينطقها ثاء، أحاول أن أكون مفهوما، حتى أنه صار يهدر كيفي بدون أن يشعر: كاين بعض الناس اللي يتأثروا وانطباعيين، لما يرونك تفعل كذا، يقوم هم الآخرون بفعله تلقائيا، وهذا منهم، صار يهدر كيفي: زيد واث يخثك؟ الثلاطة، المعندنوث، القثبر؟. في البداية، أردت أن أضرب جد أمه براس نجيبه دودة! ولكني قلت في نفسي: ما عليهش.. هذا رمضان.. وراه يدير الخير في عباد الله.. نسامحوه وما نديروش عليه، ولكن ما إن انتهيت من طلباتي التي راح يزنها تباعا، وورائي قد وقف طابور من الناس ينتظرون أن أنهي من مشترياتي التي ركزتها كلها عند بائع واحد، حتى كان يعود ليكمل التبراح: باطل باطل آلمسكين.. أربح أربح.. عيش آالمسكين عيش باطل باطل.. عندها حملت القفة و4 بورسات من عنده وقلت له: هيا صحة فطورك، تبقى على خير، يرحم والديك، دايمن راك هنا؟ غدوة تكون هنا؟ قال لي: “كل يوم راني هنا حتى مور العصر.. باطل باطل آالمسكين”.. تركته وأنا أقول: غدوة إن شاء الله نزيد ندي عليك الباقي.. جيبنا اللحم والحوت غدوة.. والزيت.. والسكر.. والفرماج ڤودا.. ولافاش كي ري والليموناد نتاع الجي نتاع فرنسا.. مليحة. قلتها ورحت قبل أن أسمعه ينادي: الحااااج.. جاتك 220 ألف، ما خلصتنيش!” آآآه؟؟ واش راك تقول؟ قلت له: قال لي: جاتك 220! قلت له: نتاعاش 220؟ قال لي: نتاع المصروف.. نتاع الخضرة اللي أديتها؟ قلت له: مش راك تقول باطل؟ قال لي: هاو بـ220 ألف تشري ڤاع هذا الخضرة. هذه راها مقيومة بـ300 ألف، أنا هو “الرخيس” فيهم هنا كيما راك تشوف!