مصطفى دحلب.. والجيل الحالي
لفت انتباهي، مؤخرا، تصريح جريء لريمون دومينيك المدرب الفرنسي السابق، الذي قال فيه بأن مصطفى دحلب أحد صناع ملحمة خيخون، والذي لعب عشر سنوات بألوان نادي باريس سان جرمان الفرنسي، هو ظاهرة كروية لم يعطها التاريخ حقها، ويمكن مقارنتها بالنجم العالمي لاعب برشلونة الاسباني ليونيل ميسي..
تصريحات أطلقها المدرب الفرنسي كرد فعل على الرأي العام الفرنسي، الذي اعتبر النجم الحالي لباريس سان جرمان، السويدي زلاتان ابراهيموفيتش، أحسن لاعب تقمص ألوان النادي الفرنسي على مر التاريخ، وهو الذي سجل هذا الأسبوع ثنائية مكنته من أن يصبح هدافا للفريق بـ110 هدف، محطما الرقم القياسي للاعب باوليتا الذي كان بحوزته لسنوات، متناسين الدور الكبير الذي لعبه الجزائري مصطفى دحلب الذي لعب عشرية كاملة أساسيا في النادي، وسجل تقريبا مائة هدف، وكان لوحده يجلب 15 الف مناصر يدخلون الملعب خصيصا لرؤيته.
دحلب مصطفى الذي تنكرت له أغلب الهيئات الكروية الجزائرية، ولم تمنحه نفس الفرصة التي منحت للاعبي جيله، وأغلب من ترأسوا الفاف أو الوزارات، لم يكلفوا أنفسهم جهد تكريمه، وحتى لا يحدث له مثل مصطفى زيتوني الذي رفض المنتخب الفرنسي في نهاية الخمسينات، ليموت وحيدا في فرنسا، لابد ألا ننسى أن دحلب، وللتاريخ فقط وحتى يعرف الجيل الحالي هذا الظاهرة الكروية، أنه عاد إلى الجزائر في بداية السبعينات من أجل تسديد دين كان إجباريا على كل الجزائريين، وهو الخدمة الوطنية، حيث قطع مشواره الكروي الكبير والمتألق من أجل وطنه، ولعب موسمين في الجزائر، وفي شباب بلكور، قبل أن يعود إلى فرنسا ليجد مكانه محجوزا، وفي النادي الذي كان يريده، فلعب موسما في نادي سودون الفرنسي، قبل أن ينضم بعدها إلى نادي العاصمة الفرنسية، والذي كان أحد أحسن لاعبيه على مر التاريخ، ولازال عمالقة الكرة الفرنسية يتذكرونه ويشبهونه بالنجم ميسي، الذي يؤثر غيابه على فريقه..
مصطفى دحلب لم يطلب أبدا امتيازات للالتحاق بالمنتخب الوطني، وحتى الهدايا التي كانت تمنح له في الجزائر، كان يتركها في البلد، وهذا بشهادة كل اللاعبين الذي عاشروه، إلى درجة أن أحدهم أفصح أن الفوز على ألمانيا في المونديال كان وراءه “موموس”، الذي قال للاعبين دقائق قبل المباراة “نملك ما يملكون.. الملعب هو الفاصل”، يومها كان دحلب أحد أحسن مهندسي الانتصار.
عندما أتحدث عن الظاهرة دحلب، وربما عن كل لاعبي ذلك الجيل الذهبي، أتذكر هذا الجيل من اللاعبين، سواء المحليين أو المحترفين، الذين يضعون شروطا للالتحاق بالنخبة الوطنية، وربما يطلبون أموالا لهم ولأوليائهم وعائلاتهم، ويتنقلون في طائرات خاصة ويقيمون بفنادق فخمة، ويتحجج بعضهم بالإصابة، حتى يحافظوا على مشوارهم الكروي على حساب تقمص الألوان الوطنية، ويتأخرون في الالتحاق بالمنتخب كما يشاؤون، رغم أن البعض منهم مستواهم متواضع جدا، مقارنة باللاعبين المتواجدين في أحسن الأندية الأوروبية.
أتمنى لو يقوم المسؤول عن الكرة الجزائرية ومقربوه، بتذكير الجيل الحالي من اللاعبين بمن سبقوهم وتضحياتهم من أجل الوطن وليس المال.. لأنه لو لعب دحلب وعصاد وبلومي وماجر وغيرهم مع هذا الجيل من اللاعبين، لا أعرف ماذا سيكون مصيرهم..