الرأي

مغانم الضعفاء من عالم متعدد الأقطاب

حبيب راشدين
  • 892
  • 5
ح.م

قد يكون الـ16 من شهر جويلية يوما تاريخيا من أيام العصر الحديث لو يكتب للقمة المرتقبة بين الرئيسين الأمريكي والروسي التوصل إلى توافق حول أقصر الطرق وأقلها كلفة لفسخ نظام عالمي يعيش نهاية تاريخه، والدخول مع بداية عصر الدلو في مسار رجعي نحو عالم متعدد الأقطاب، كما كان قبل بداية هيمنة الغرب المعادية للتطور الطبيعي للبشرية بثقافة قانون الغاب.

قد يكون محض صدفة اختيار اليوم العاشر منذ بداية رحلة كوكب الأرض من أبعد نقطة لها عن الشمس وصلتها أمس الجمعة، وهي على بُعد 152 095 566 كيلومتر، لكن الحاصل أن القطبين الأمريكي والروسي قد ينهيا سنة 2018 وعودة الأرض إلى أقرب نقطة من الشمس نهاية ديسمبر بإعلان نهاية تاريخ العالم القديم، حتى وإن كانا لا يعلمان كيف سيكون العالم الجديد الذي سيخلفه.

ولأن أهل مكة أدرى بشعابها، فإن المملكة البريطانية التي تصدَّرت حقبة هيمنة الغرب المطلقة، تتصدر اليوم بوجهٍ سافر فريق الممانعة الغربي لمعاول الهدم التي حملها الرئيس الروسي بوتن، ووجد في الرئيس الأمريكي ترامب حليفا غير متوقع من قلب المعسكر المعادي، نجح حتى الآن في توجيه ضربات موجعة لمسار العولمة، ففسخ أخطر المعاهدات المنظمة للتجارة الحرة العابرة للقارات، ودشن عهد الحروب التجارية التقلدية كما كانت قبل الحربين الكونيتين، وأنهى أو هو في طريقه إلى إنهاء مسار تفكيك الدول وإعادة رسم الخرائط بقوة الأساطيل.

 ما هو مؤكد أن العالم قد تجاوز خط امتناع العودة، مع تراجع منسوب تهديد المواجهة بين الروس والأمريكان في مسرح الشام وكوريا الشمالية، وأن ترامب يكون قد سلَّم بحقيقة فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد، ووعى خطورة مواصلة تنفيذ نظرية سيبروفسكي القائمة على تفكيك الدول، ويكون قد اقتنع بمغانم الولايات المتحدة من تجديد التوافق مع الروس عسكريا، ومع الصين اقتصاديا وتجاريا، لإنقاذ ما يمكن انقاذُه من فرص بقاء الولايات المتحدة في صدارة كوكبة القوى المعنية بتدبير الشأن العام الدولي بالشراكة مع الأقطاب الناشئة.

ولأن العالم قد دخل مرحلة انتقالية قد تمتدّ أكثر من عقد حتى تستقر العلاقات الدولية فيه على توافقات بديلة لما كان يعد به النظام العالمي الجديد، فإن الدول الصغيرة والمتوسطة مثل دولنا هي بحاجة إلى بناء توافقات داخلية، والتفكير بجدية في ترتيب مرحلة انتقالية على ضوء ما يمكن استشرافه من توجُّهات العالم الجديد القادم، وتبحث عن أفضل المواقع لنيل حصتها من فرصه، أو على الأقل لحماية مصالحها من الافتراس الذي سيظل السمة الثابتة في العلاقات الدولية حتى في حال التوصل إلى بناء عالم متعدد الأقطاب.

ويكفينا في الحد الأدنى ونحن على بُعد عشرة أشهر من استحقاق سياسي كبير وخطير أن نجنب البلد هزات أمنية أو اجتماعية تضعف مواقفه في الإقليم، وتهمِّش دوره مستقبلا في المحافل الدولية التي سوف تشهد بلا ريب مواجهات ساخنة ليس فقط مع أقطاب العهد القديم المتراجع وعلى رأسها أوروبا وخصمنا اللدود فرنسا، بل وأيضا بين الأقطاب التي سوف تتصدر مسار بناء العالم الجديد ورسم قواعده وفق موازين القوة التي كانت وستظل تتحكم في تدبير العلاقات الدولية.

مقالات ذات صلة