الرأي

مفت في كل ولاية.. هذا ما ينقصنا؟

لا أحد فهم ما المقصود من اقتراح تعيين مفت لكل ولاية، الذي تفضلت به وزارة الأوقاف، وهي العاجزة على مدار نصف قرن، عن تعيين مفت للديار الجزائرية، وبصورة أدقّ، عجزت عن تقديم فتوى واحدة ضمن كلمة حق في حضرة قانون جائر، فقرّرت زرع أكثر من خمسين مفتيا في جزائر، سيرتفع عدد ولاياتها في الأسابيع القادمة إلى أكثر من خمسين ولاية؟

ولا أحد أجاب عن جدوى وجود مفت أصلا، من دون تحقيق الذات الاقتصادية والعلمية والفقهية، حتى لا تصبح العملية مجرد تشغيل شباب وخلق مناصب عمل، كما سيحدث في عملية التقسيم الإداري الجديد، حيث سيكثر الولاة ورؤساء الدوائر، من دون تحقيق الوثبة التنموية في جميع المجالات، فيبقى الجزائري يأكل مما تنتجه بقية الدول، ويلبس مما ينسجه الآخرون، بالرغم من هذا الكمّ من مديريات الفلاحة والصناعة المتناثرة في كل مكان، وسيبقى يستورد فتواه من مختلف الفرق والفضائيات، برغم التعيين المرتقب للمفتين.

وواضح بأن وزارة الأوقاف، قد دخلت صف بقية الوزارات، وصارت حقيبتها لا تختلف عن أي حقيبة وزارية أخرى، وحوّلت أيضا عمالها وموظفيها مثل كل العمال في مختلف القطاعات، مثل “الروبوتات”، تعيش بالمادة ولأجل المادة، وستصنع من الفتوى التي هي في الأصل اجتهاد ودعوة، مهنة لا يقول فيها المفتي إلا بمقابل مادي، وقد تقام لأجلها مسابقات للفوز بمناصبها المالية ليس إلا، تحدث فيها نفس التجاوزات التي حوّلت العلم والعمل عندنا إلى عالم مليء بالخطايا. 

في أواخر ستينات القرن الماضي، عندما وضع الرئيس هواري بومدين حجر أساس بناء جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، قال لصاحب الفكرة الحاج أحمد بن عبد الرحمان، بأنه سيشيّد أزهرا جديدا في المغرب العربي، وفي منتصف ثمانينات القرن الماضي، عندما دشّن الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد جامعة الأمير عبد القادر، قال للعالم الراحل محمد الغزالي، بأنه يريد أن يرى أزهرا جديدا في الجزائر، وواضح بعد مرور ثلاثين سنة عن التدشين، أن الدولة تريد أن يكون لها مُفتون على الطريقة الأزهرية، رجال حكومة، لا يختلفون عن أي وزير جاء لينفذ برنامج النظام القائم، أو يُلهي الناس عن دينهم قبل دنياهم، بفتاويه الغريبة والمريبة، كما يفعل حاليا  وبامتياز المفتي السابق للديار المصرية الدكتور علي جمعة.

يذكر التاريخ بأن أول مفت في الإسلام، ظهر في العهد العباسي، وهو ليث بن سعد بن عبد الرحمان المصري، ويروي التاريخ أيضا، بأن القاضي والنائب كانا تحت أمره ومشورته، ولكن الأمور انقلبت الآن، فكما أصبحت الدعوة موضة يمارسها الشباب، ويبتغون منها الشهرة والنجومية والسلطة والمال أيضا، تماما مثل نجوم كرة المضرب والسينما، أصبحت وظيفة مفت أيضا موضة يمارس فيها بعض المفتون، قاعدة “خالف تُعرف”، طلبا للشهرة والتميز، فيخالفون رأي الجماعة، وأحيانا السنة الشريفة والقرآن الكريم.

وإذا كان الحديث الضعيف يقول “أجرؤكم على الفتوى، أجرؤكم على النار”، فإننا نخشى أن يكون قرار تعيين مفت في كل ولاية، هو جرأة على إلقاء المفتين والمتلقين  لفتواهم معا في النار جميعا.

أليس غريبا أن يخوض المفتون في الجزائر في سكنات عدل التي بنتها شركات صينية وإسبانية، يدين أهلها بالبوذية والمسيحية، وفي شرعية أكل اللحوم القادمة من البرازيل، ولا أحد يصيح في وجه السائلين: ألم يحن الوقت لنبني مساكننا ونأكل من ذبائح أغنامنا؟

مقالات ذات صلة