-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ملاحظات على هامش المعرض الدولي للكتاب

جمال ضو
  • 3466
  • 14
ملاحظات على هامش المعرض الدولي للكتاب

مما لا شك فيه أن المعرض الدولي للكتاب بدأ يأخذ طابع المهرجان الشعبي، وهذا في حد ذاته ليس بالأمر السيئ كما يحاول البعض تصويره من خلال التركيز على الجزء الفارغ من الكوب والمتمثل في الجانب الفلكوري الشعبوي الترفيهي المصاحِب لهذا المعرض؛ فمهما تعددت أسباب زيارة الجزائريين، كأفراد وأسر وجماعات، فإن إحياء فكرة القراءة والترويج لفكرة الكتاب بين الناس سيكون له الأثر الإيجابي على المدى المتوسط والبعيد، كما أن تدافع الناس على اقتناء الكتب باختلاف توجُّهاتها أمرٌ محمود، أن يصطحب الناس أبناءهم معهم ليس أمرا سيئا وسيكون له أثرٌ نفسي إيجابي على نظرتهم للكتاب وأهمية القراءة.

لكن هناك عدداً من الملاحظات التي تستحق الذكر حول هذا المعرض الذي أصبح تقليدا سنويا.

الحقيقة الأولى التي يقف أمامها الزائر لهذا المعرض هي أننا في الواقع لسنا أمام معرض دولي، بل معرض عربي مع بعض البهارات الفرانكفونية، فدور النشر العالمية الكبرى غائبة تماما.

الكتب العلمية الحقيقية ودور النشر العلمية بكل أشكالها غائبة، فلا إصدارات أكسفورد ولا كامبريدج ولا world scientific ولا Wiley ، Springer ، ولا Dover للإصدارات العلمية زهيدة الثمن وفي متناول عامة الناس، والتي كانت من المفترض أن توفر الكتاب العلمي للطلبة والأساتذة الجامعيين والباحثين بأثمان معقولة. ربما السبب في غياب دور النشر العالمية هو الاعتقاد السائد بأن الجزائريين لا يقرؤون الانجليزية، ولكن المفاجأة الغريبة هي غياب دور النشر العلمية الفرنسية المحترمة والكبيرة تماما، وكأننا لسنا أمام بلد شبه فرانكفوني تدرِّس معظم جامعاته باللغة الفرنسية! 

الكتب باللغة الإنجليزية العلمية وغير العلمية لا وجود لها، ما عدا دار Wordsworth لنشر الأدب الأنجلوساكسوني.

الانقسام المجتمعي حاضرٌ في دور النشر، فلكمال داوود وبوجدرة ولآسيا جبار وياسمينة خضرة وأمين الزاوي وعدلان مدي.. دورهم الخاصة وجمهورهم الخاص، وللكتب الدينية الكلاسيكية دورها وجمهورها الخاص.

“لقد رفعت وسائل الإعلام من شأن كُتَّاب لا إبداعَ ولا قيم ولا همَّ من هموم الأمة والمجتمع يحملون، بل ولا خيال، فصارت الثرثرة ورصّ الألفاظ والإيحاءات الجنسية والتهكُّم على الإسلام وقيم المجتمع كفيلة برفع هذا الكاتب أو ذاك إلى مصاف العالمية وتحويله إلى نجم من نجوم المعرض.”

كما أن مقص الرقيب طال كثيرا من الأسماء والكتب، ولن يجد الزائر الذي يحمل زادا معقولا من القراءة والاطلاع صعوبة في تحديد طبيعة المقص وأي نوع من الأفكار والكتاب طال.

دور النشر الجزائرية ضعيفة جدا ولا تنافس نظيراتها العربية الأخرى في مجاراتها في ترجمة كتب كبار الكتَّاب والإصدارات العالمية، فالكتب التي صدرت في أمريكا وفي الغرب عموما في السنوات القليلة الماضية، بل السنة الماضية، مترجمة إلى العربية وحاضرة بقوة وكانت السباقة في النفاد من المعرض (خاصة الكتب الجيوسياسية)، وهو ما يدل على وجود جمهور نوعي من ناحية أخرى. 

الأمر المؤسف في هذا المعرض هو غياب الندوات العلمية والمحاضرات والنقاشات الجانبية، وحتى وإن وُجدت فإنها محتشمة جدا وعملية الإقصاء حاضرة فيها، بعبارة أخرى نحن أمام معرض للكتاب جامد أقرب إلى المعرض التجاري وليس معرضا للفكر والعلم والأدب. 

أخيرا، جديرٌ بالإشارة أن معظم الروايات وكتّابها في عالمنا العربي أو ما يُسمى عربيا لا يقدمون شيئا يستحق القراءة، وفي الحقيقة قلة هم كتّاب الرواية العالميين الذين يحملون رسالة سامية من خلال رواياتهم، بينما الأغلب يقدمون بضاعة تزيد من قتل القيم السامية في الناس حتى وإن كان لدى بعضهم شيء أو كثير من الإبداع في الكتابة. 

أما في عالمنا فالوضع أسوأ، فلقد رفعت وسائل الإعلام وأدوات صناعة النجومية واختراق الوعي من شأن كُتَّاب لا إبداعَ ولا قيم ولا همَّ من هموم الأمة والمجتمع يحملون، بل ولا خيال، فصارت الثرثرة ورصّ الألفاظ والإيحاءات الجنسية والتهكُّم على الإسلام وقيم المجتمع كفيلة برفع هذا الكاتب أو ذاك إلى مصاف العالمية وتحويله إلى نجم من نجوم المعرض. بينما تحرص نفس الأدوات والوسائل على محاصرة مواهب مُبدِعة ومفكرين يحملون همَّ الأمة وقضاياها وتحجب عنهم نور الشمس في مشهد يذكرنا بما جاء في كتاب بن نبي “الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة”.

لهذا، فإن التحدي هو أن نرى كتَّابا وروائيين جزائريين وعرباً ومسلمين يحملون همَّ الأمة وقضاياها، فعندما تكون كتابات هؤلاء من شعر ورواية وأدب وكتب فكرية وعلمية.. هي الحاضر الأكبر في معارضنا، حينها سيكون للمعرض طعمٌ آخر وللقراءة طعمٌ آخر ونكون بدأنا نتلمَّس طريق النهضة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
14
  • التغزوتي

    ليكن في علمك عمي جمال أن 80% من الأساتذة الجامعيين لدينا في جامعتنا لم يزوروا المعرض فهل نقول أن معهم الحق

  • Adel

    فاقد الشيئ لا يعطيه ! ومغفل من ينتظر طويلا كي يناله منه ! نظام عين جاهلة مجهالة جهولة لتربي وتعلم أطفال بلده آخر شيئ يفكر فيه هو العلم والتكنلوجيا والبحوث والكتب المفيدة ! أفيقوا رحمنا الله ....

  • بدون اسم

    وماذا تنتظر من حاكم او مسؤول مستواه العلمي يخجل منه الأميون أنفسهم..؟
    الكتب اوالمطبوعات او المؤلفات تستقدم او تستورد ان جازالتعبير بناء على المستوى الفكري والعلمي والمعرفي لهؤلاءالمسؤولين..وهؤلاء اقرب الى اشباه المتعلمين اصحاب(المستويات البسيطة)...

  • خير جليس

    قضية أذواق ...هناك من يحب الأسلوب ...والجمالية ..وهناك من يحب الحبكة ..وهناك من يحب الفكرة ..وهناك من يحب الرسالة...وهناك من يحب الفلسفة العامة للرواية أو العمل الأدبي بشكل عام. أيضا لكل نوع من الروايات مقامه ...فهناك رواية الجيب تصلح للأسفار وتمضية الوقت عند الإنتظار ...وهناك رواية المكتب ...وهناك الرواية التي تقرأ قبل النوم. وما إلى ذلك . هناك الرواية التي لاتصلح لشيء أيضا . ^__^

  • خير جليس

    صحيح ...المعروف عن كتب الإعلام الآلي والهندسة وعلوم أخرى كالفضاء والفيزياء أنها تدرس بالإنجليزية لأن كتبها تحوى آخر المستجدات ..خاصة وأننا نعيش في عالم متسارع جدا ...لكن للأسف الكتب مفقودة تماما ...وبالطبع لاتوجد على الأنترنت في صيغ إلكترونية فهي حصريا ورقية تارة ..ومحمية جدا تارة أخرى.
    و يمتد ذلك الفراغ الرهيب إلى الكتب الأخرى في مجال التنمية البشرية مثلا بالإنجليزية ..وترجمات الكتب العلمية والتقنية الجديدة بالعربية والكتب السياسية وكتب بلغات أخرى وكتب نوتات أو تعليم موسيقى ومجالات أخرى عديدة.

  • خير جليس

    أخيرا..مقال موضوعي عن معرض الكتاب المكنى فرنكفونيا "سيلا"..شكرا جزيلا يا أستاذ..أصبت كبد الحقيقة في معظم ماقلت وأهنئك على ذوقك في القراءة والبحث في طيات الكتب الأكثر فائدة وتقييما وليس الكتب المشهر لها الفارغة. أرى أن الكتب الغربية للجيوسياسة لاتكفي.لابد من القراءة لترجمات الكتب الجيوسياسية الروسية فهم عباقرة الشطرنج والفكر..بالإضافة الى الكتب الصينية فهي وريثة أمريكا في المستقبل القريب على عرش العالم..لابد للعرب من الترجمة بسرعة والنهل من منابع الحكمة أينما كانت. وأتمنى مثلك حضور الدور العالمية

  • العاصمية

    بارك الله فيك أستاذ جمال، وصفت وصفا مختصرا شاملا يمكن القارئ الغائب عن المعرض أن يتصوّر المشهد. العام له..أعجبتني مقدمة الموضوع وملاحظتك حول تحوّل المعرض لما يشبه "المهرجان الشعبي"...
    وقفتُ عند قولك: (وفي الحقيقة قلة هم كتّاب الرواية العالميين الذين يحملون رسالة سامية من خلال رواياتهم)...وتساءلتُ: هل يجدر بالروائة أن تحمل طابعا ساميا؟ أم أن السر في الرواية المبدعة المبتكرة هو الإبداع اللغوي والجمال السردي؟ أليس: أعذب الشعر أكذبه؟..أغلب ما يغذي الأدب العالمي هي تلك المعاني الإنسانية:الموت..الحب

  • قمران الجمعي

    صدقت ثم صدقت في هذا المقال

  • الطيب

    بارك الله فيك أستاذ جمال نحن بحاجة إلى حوارات و نقاشات بين القارئ و الكاتب و إثراء المعرض الدولي بمحاضرات و تدخلات مفتوحة حول مواضيع الساعة و هموم الأمة و تحديات المستقبل خاصة و أنّ المعرض هو ملتقى حقيقي لرجال الثقافة على اختلاف مشاربهم بغير دعوة رسمية مباشرة ....معرض الكتاب بحاجة إلى تطوير و تثمين و تنويع و إبداع في تسييره .

  • نورالدين بن عبيدي

    أو حافلة أو صائم ينتظر الأذان؟! بل نبحث عن كتب من أجل الإطلاع و توسيع الفهم و المحاكمة العقلية و هذه درجة أعلى من الأولى، فيه كتب تُقرأ من أجل البحث التحقيق التدريس و التأليف و تلك الكتب مهجورة كثيرا جدا قد لا نرى نورا و لا طباعة. فنحن أمام أزمات علمية بين القراءة العقيمة المستعجلة في إنهاء كتاب و بين نوعية ما نقرأ و هذا ما يسيمه بعض المفكرين بــ ذُهان السهولة نميل دائما للأشياء السهلة المسلية لا للصعبة المُـجْهِدة... فالنقرأ ما لا نعرف! معرض الكتاب كقصة البنان زمان الحزب الواحد لنشتريه فقط !!!

  • نورالدين بن عبيدي

    رأي المعارض تنشأ لعرض أبرز ما إبتكر و إكتشف في مجالات التقنية أما العقل الذي ينتج تلك التقنية لا يحتاج في أدواته معرضا سنويا بل لمكتبات في: المدرسة/ المسجد و في البيت يعود إليها يوميا! هكذا يجب ان يكون تخطيط فركنا، غذاء الروح أهم من غذاء الجسد فمابالك إذا كنا نأكل 3 مرات و لا نقرأ إلا مرة/السنة؟! و الكتب الإستعراضية تكون لجلب الربح لا الفائدة أصبحت نوع من التجارة الرابحة على حساب الثقافة الحقة. حتى دراسة الكتب التي نقتنيها للتلميذ و للبالغ لا يجب دوما تكون كتب المتعة يتسلى بها من شدة إنتظار قطار

  • نورالدين بن عبيدي

    لابد من تصحيح مسار مفهوم: القراءة لا تأتي إلا إذا أصلحنا منظومة التعليم التي تُــعَلم الطفل كيف يمسك كتاب لا كيف يمسك حجرة أو صفعة لمعلمته! فهذا التلميذ هو الذي سيؤلف و يقرأ و ُيقرأ... معرض الكتاب أراه مضيعة للمال و الوقت نشتري الكتاب ديكورا لدرجة أصبح الرجال ينافسون النساء في كتب الطبخ! لكن فيه فئة قليلة جدا هي التي تقرأ بحق و عندما أقول تقرأ: تبحث عن الكتاب الصعب الذي فيه أفكار جديدة ُتتْعِب فكرنا هي القراءة المنفيدة!و القارئ الحق لا ينتظر معرض لينتظر سنة لكي يقرأ، بل يقرأ يوميا كما يأكل يوميا

  • رزقي سمير

    رغم إختلافي الكلي معك فيتوجهاتك و إيديولوجيتك حول مواضيع أخرى. إلا أن مقالك هذا جامع مانع لتعريف معرض الكتاب الجزائري هذا, و تحليلك شامل كامل لعيوبه و مزاياه. وأوافقك رغم أنني من جمهور بوجدرة و جماعته. إلا أنه يمكن أن نتفق بأن كمال داود مجرد راص للكلمات و لا ادب و لا جمال في رواياته. فوسائل الإعلام و الإيحاء السلبي لدور الدين ( رغم سلبياته الكثيرة ) في مواقفه هي من جعلت منه شيئا. كان ناجحا ككاتب صحفي. شكرا على التحليل و نرجوا من وزارة السخافة الجزائرية أن تأخذ بعين لاإ‘تبار تحليلك.

  • يوسف

    نعم ، صحيح مــا كتبه الكاتب .
    من الذين زاروا المعرض هذه السنة أيام : 28 / 29 / 30/ من الشهر العاشر ..
    حيث لدي نفس الملاحظات ، الكتب المفقودة في السوق العامة على المستوى الوطني كذلك غير موجودة في المعرض...
    الكتاب العلمي و خاصة الكتاب التكنولوجي و التقني مفقود و غائب عن 97 % من 952 دار نشر.. عدا كتب الطب و قواميسه باللغتين الإنجليزة و الفرنسية فهي موجودة..
    المعرض أخذ أسلوب المعرض التجاري أكثر من معرض فكري ثقافي ..
    دور النشر الفرنسية لم تأتينا بجديدها مثل طريقة معاملاتها مع الدول الفرانكفونية..