ملاحظات على هامش المعرض الدولي للكتاب
مما لا شك فيه أن المعرض الدولي للكتاب بدأ يأخذ طابع المهرجان الشعبي، وهذا في حد ذاته ليس بالأمر السيئ كما يحاول البعض تصويره من خلال التركيز على الجزء الفارغ من الكوب والمتمثل في الجانب الفلكوري الشعبوي الترفيهي المصاحِب لهذا المعرض؛ فمهما تعددت أسباب زيارة الجزائريين، كأفراد وأسر وجماعات، فإن إحياء فكرة القراءة والترويج لفكرة الكتاب بين الناس سيكون له الأثر الإيجابي على المدى المتوسط والبعيد، كما أن تدافع الناس على اقتناء الكتب باختلاف توجُّهاتها أمرٌ محمود، أن يصطحب الناس أبناءهم معهم ليس أمرا سيئا وسيكون له أثرٌ نفسي إيجابي على نظرتهم للكتاب وأهمية القراءة.
لكن هناك عدداً من الملاحظات التي تستحق الذكر حول هذا المعرض الذي أصبح تقليدا سنويا.
الحقيقة الأولى التي يقف أمامها الزائر لهذا المعرض هي أننا في الواقع لسنا أمام معرض دولي، بل معرض عربي مع بعض البهارات الفرانكفونية، فدور النشر العالمية الكبرى غائبة تماما.
الكتب العلمية الحقيقية ودور النشر العلمية بكل أشكالها غائبة، فلا إصدارات أكسفورد ولا كامبريدج ولا world scientific ولا Wiley ، Springer ، ولا Dover للإصدارات العلمية زهيدة الثمن وفي متناول عامة الناس، والتي كانت من المفترض أن توفر الكتاب العلمي للطلبة والأساتذة الجامعيين والباحثين بأثمان معقولة. ربما السبب في غياب دور النشر العالمية هو الاعتقاد السائد بأن الجزائريين لا يقرؤون الانجليزية، ولكن المفاجأة الغريبة هي غياب دور النشر العلمية الفرنسية المحترمة والكبيرة تماما، وكأننا لسنا أمام بلد شبه فرانكفوني تدرِّس معظم جامعاته باللغة الفرنسية!
الكتب باللغة الإنجليزية العلمية وغير العلمية لا وجود لها، ما عدا دار Wordsworth لنشر الأدب الأنجلوساكسوني.
الانقسام المجتمعي حاضرٌ في دور النشر، فلكمال داوود وبوجدرة ولآسيا جبار وياسمينة خضرة وأمين الزاوي وعدلان مدي.. دورهم الخاصة وجمهورهم الخاص، وللكتب الدينية الكلاسيكية دورها وجمهورها الخاص.
“لقد رفعت وسائل الإعلام من شأن كُتَّاب لا إبداعَ ولا قيم ولا همَّ من هموم الأمة والمجتمع يحملون، بل ولا خيال، فصارت الثرثرة ورصّ الألفاظ والإيحاءات الجنسية والتهكُّم على الإسلام وقيم المجتمع كفيلة برفع هذا الكاتب أو ذاك إلى مصاف العالمية وتحويله إلى نجم من نجوم المعرض.”
كما أن مقص الرقيب طال كثيرا من الأسماء والكتب، ولن يجد الزائر الذي يحمل زادا معقولا من القراءة والاطلاع صعوبة في تحديد طبيعة المقص وأي نوع من الأفكار والكتاب طال.
دور النشر الجزائرية ضعيفة جدا ولا تنافس نظيراتها العربية الأخرى في مجاراتها في ترجمة كتب كبار الكتَّاب والإصدارات العالمية، فالكتب التي صدرت في أمريكا وفي الغرب عموما في السنوات القليلة الماضية، بل السنة الماضية، مترجمة إلى العربية وحاضرة بقوة وكانت السباقة في النفاد من المعرض (خاصة الكتب الجيوسياسية)، وهو ما يدل على وجود جمهور نوعي من ناحية أخرى.
الأمر المؤسف في هذا المعرض هو غياب الندوات العلمية والمحاضرات والنقاشات الجانبية، وحتى وإن وُجدت فإنها محتشمة جدا وعملية الإقصاء حاضرة فيها، بعبارة أخرى نحن أمام معرض للكتاب جامد أقرب إلى المعرض التجاري وليس معرضا للفكر والعلم والأدب.
أخيرا، جديرٌ بالإشارة أن معظم الروايات وكتّابها في عالمنا العربي أو ما يُسمى عربيا لا يقدمون شيئا يستحق القراءة، وفي الحقيقة قلة هم كتّاب الرواية العالميين الذين يحملون رسالة سامية من خلال رواياتهم، بينما الأغلب يقدمون بضاعة تزيد من قتل القيم السامية في الناس حتى وإن كان لدى بعضهم شيء أو كثير من الإبداع في الكتابة.
أما في عالمنا فالوضع أسوأ، فلقد رفعت وسائل الإعلام وأدوات صناعة النجومية واختراق الوعي من شأن كُتَّاب لا إبداعَ ولا قيم ولا همَّ من هموم الأمة والمجتمع يحملون، بل ولا خيال، فصارت الثرثرة ورصّ الألفاظ والإيحاءات الجنسية والتهكُّم على الإسلام وقيم المجتمع كفيلة برفع هذا الكاتب أو ذاك إلى مصاف العالمية وتحويله إلى نجم من نجوم المعرض. بينما تحرص نفس الأدوات والوسائل على محاصرة مواهب مُبدِعة ومفكرين يحملون همَّ الأمة وقضاياها وتحجب عنهم نور الشمس في مشهد يذكرنا بما جاء في كتاب بن نبي “الصراع الفكري في البلاد المستعمَرة”.
لهذا، فإن التحدي هو أن نرى كتَّابا وروائيين جزائريين وعرباً ومسلمين يحملون همَّ الأمة وقضاياها، فعندما تكون كتابات هؤلاء من شعر ورواية وأدب وكتب فكرية وعلمية.. هي الحاضر الأكبر في معارضنا، حينها سيكون للمعرض طعمٌ آخر وللقراءة طعمٌ آخر ونكون بدأنا نتلمَّس طريق النهضة.