رياضة

ملعب في “ساحة حرب”

كل من دخل مدينة البليدة، نهار أمس، شعر بأن أمرا جللا سيحدث، وكل من دخل ملعب الكرة لمتابعة مباراة المنتخب الجزائري أمام مالي، عاش ما لم يعشه في المطارات الأوروبية في عشرية النظرة السوداوية لكل ما هو جزائري، بالرغم من أن الحدث هو مباراة كرة من المفروض أن تكون عرسا عائليا يحضره الصغار والكبار، وإذا كانت الدولة قد بالغت نوعا ما في حالة التأهب القصوى، التي لم تختلف عن حالة الطوارئ، من خلال تجهيز ما يشبه الجيش من رجال الأمن والدرك، وكاميرات المراقبة، وعمليات التفتيش والطائرات العمودية والدراجات النارية، التي جاءت لتأمين مباراة، هي في حقيقتها، مجرد جري لاعبين خلف كرة مطاطية، فإن هذا التأهب أيضا له ما يبرّره، لأن الكرة التي زرعت الأحقاد، بلغت منذ بضعة أسابيع درجة قتل النفس التي توازي قتل الناس جميعا.

منذ سنوات جمعتنا جلسة حميمية مطولة في أحد فنادق العاصمة بعميد المدربين الفرنسيين “غي رو” الذي حدثنا عن اللاعب موسى صايب، الذي تألق رفقته مع نادي أوكسير الفرنسي، وعاد بنا إلى حادثة وقعت له في عام 1994، عندما زار النادي، أحد رجالات الأمن الكبار في الجزائر لأجل متابعة تدريبات ومباراة لعبها فريقه على أرضه بقيادة النجم الجزائري، ولكن الدولة الفرنسية في زمن أمني صعب، ضرب فيه الإرهاب الجزائر، وطال فرنسا، قامت بتأمين هذا الزائر، من خلال توفير حراس مسلحين، ووجد النادي المسالم نفسه، وهو يلعب من أجل الفٌرجة والترويح عن النفس محاطا بترسانة من رجال الأمن ومختلف الأسلحة، ففقد النادي الذي كان متصدّرا للدوري الفرنسي بالطول والعرض بوصلته، وخسر لأول مرة على أرضه، بعد أن فقد لاعبو النادي تركيزهم.

السيد “غي رو” اختصر لعبة كرة القدم، بالفرح، الذي لا يختلف عن حفلات الابتهاج، أما إذا حضرت فيها الطائرات ومختلف الأسلحة وعمليات التفتيش وكاميرات المراقبة وهذا الكم من رسائل التحذير ومنع الأطفال من الدخول فسنكون ظالمين، إذا وصفنا مباراة أمس بلعبة كرة القدم.

إذا كانت كل مباراة كرة ستكلفنا هذا الإحراج الذي عاشه أهل البليدة وما جاورها من مدن نهار أمس، ويكلفنا هذا الحشد من رجال الأمن، وهذا الشلل في عز الدخول الاجتماعي، فالأولى أن نبحث عن بلد آخر، يستقبل مباريات المنتخب الجزائري، أو نوقف مشاركاتنا في مختلف المنافسات الكروية موازاة مع دعوات شعبية بتوقيف ما يسمى – مجازا – البطولة المحترفة في تبذير أموال الدولة.

الذي لا يحسن اللعب هو دائما إنسان فاشل في الأمور الجادة، فإذا كانت مباراة كرة منحتنا الكثير من البهجة خلال الصائفة الماضية، قد حولت حياتنا إلى كوابيس، فلا نعلم كيف سنوفق في الأمور الجادة من تكنولوجيا واقتصاد وحياة اجتماعية، لقد ارتضى الله أن تبدأ حياة الإنسان منذ أن يكون طفلا باللعب، حتى يبلغ وينضج ويقتحم الحياة المهنية الجادة، وها هي الأمة تفشل في خطوة اللعب الأولى.. ولكم أن تتصوروا بقية مراحل حياتها.

مقالات ذات صلة