الرأي

من‮ ‬يصنع الإرهاب؟

محمد سليم قلالة
  • 3489
  • 15

يُخطئ من‮ ‬يعتقد أن ليس خلف الإرهاب‮ “‬فكر‮”‬،‮ ‬وليس وراءه مؤسسات،‮ ‬ولا تحكمه إستراتيجية أو هو حقيقة أعمى كما نصف عملياته المختلفة‮. ‬هو أعمى حقيقة من حيث شكل الممارسات التي‮ ‬يقوم بها،‮ ‬ولكنه‮ ‬يدرك ما‮ ‬يفعل من خلال جوهر هذه العمليات‮. ‬الإرهاب اليوم صناعة،‮ ‬حقيقة هو صناعة من حيث المنهج الذي‮ ‬يقوده أو الحركة التي‮ ‬يقوم بها في‮ ‬الواقع أو الغاية التي‮ ‬يستهدفها‮. ‬غير صحيح أنه‮ ‬يتحرك من فراغ‮ ‬ومن‮ ‬غير أيّ‮ ‬بوصلة،‮ ‬وغير صحيح أنه لا‮ ‬يملك قواعد‮ “‬فكرية‮” ‬تبرر سلوكه وإلا ما أخذ كل هذا الزخم ولا استمر طول هذه المدة في‮ ‬العالم الإسلامي‮ ‬بالخصوص‮. ‬بقي‮ ‬السؤال الكبير والمحير الذي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يُطرح‮: ‬من‮ ‬يصنع الإرهاب على الصعيد الفكري؟ ولماذا؟‮ ‬

أميل إلى تأكيد الفرضية القائلة أن أغلب أدبيات الفكر المؤسِّس للإرهاب إنما تقوم على ركيزتين‮:‬

‭-‬‮ ‬إطار منهجي‮ ‬قائم بالأساس على أدبيات المدرسة الواقعية الأنجلوسكسونية والتحليل الجدلي‮.‬

‭-‬‮ ‬تكييف لهذا الإطار مع متطلبات الثقافة الإسلامية والتراث الفكري‮ ‬في‮ ‬الإسلام بمختلف مفرداته‮.‬

أي‮ ‬أن أدبيات الفكر المؤسِّس للإرهاب إنما‮ ‬يقوم بإعدادها متمكّنون في‮ ‬ذات الوقت من المنهج الغربي‮ ‬ومن التراث الفكري‮ ‬عند المسلمين‮. ‬وإلا كيف نفسِّر استخدام عبارات مثل‮ “‬القوة وعلاقات القوة‮”  ‬و”القوة الكاذبة‮” ‬و”السيطرة من خلال القوة المركزية‮” ‬و”خلط القيم‮” ‬و”المركز والأطراف‮” ‬و”خارطة المصالح‮”… ‬الموجودة في‮ ‬أحد المراجع مثلا جنباً‮ ‬إلى جنب مع عبارات سياسية نشأت في‮ ‬العهود الأولى للإسلام؟ وكيف نفسر قدرة هذه المراجع على الربط بين مفاهيم مثل القوة والمصلحة والفوضى والجهاد والتوحش والصراع بين المركز والمحيط‮.. ‬لولا ذلك الخيط الرفيع بين مفاهيم المدرسة الواقعية التي‮ ‬تعود جذورها إلى طوماس هوبز فيلسوف الإلحاد السياسي‮ ‬الأول الذي‮ ‬اعتبر الإنسان ذئبا وشريرا ووحشا بطبعه،‮ ‬وذلك الفكر الذي‮ ‬يُنسَب إلى المسلمين المتعلق بالتكفير وإباحة القتل والتخريب بوحشية لا نظير لها؟

بل كيف نفسر وجود نوع من التحليل الجدلي‮ ‬في‮ ‬العلاقة بين المتضادين،‮ ‬الغرب والإسلام،‮ ‬في‮ ‬تلك الكتابات؟

أليس في‮ ‬ذلك دلالة على الصناعة المشبوهة لـ”الفكر‮” ‬المبرر للإرهاب اليوم؟

ألا‮ ‬يكفينا أن نعرف أن أغلب أصحاب هذه الرسائل والمؤلفات والأوراق التي‮ ‬يتم الترويج لها إعلاميا على نطاق عالمي‮ ‬هي‮ ‬إما مجهولة المؤلفين أو تُكتب بأسماء مستعارة أو مثيرة للجدل أو‮ ‬غير قابلة للإثبات؟ ألا‮ ‬يكفينا هذا دليلاً‮ ‬للتساؤل عن من‮ ‬يصنع الإرهاب ومن‮ ‬يصوغ‮ “‬فكره‮”‬،‮ ‬وأن لا علاقة له بروح الفكر والمنهج الإسلامي‮ ‬كبداية أولى للوعي‮ ‬بخطورته والتصدي‮ ‬له؟

مقالات ذات صلة