من الذي قتل.. محمد؟
بينما كانت السيدة وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، تبحث عن مخرج لها من خيوط العنكبوت التي لفّت بيت الوزارة الوهن، وبينما كانت النقابات ومعها الآلاف من الأساتذة يواصلون لكماتهم المدققة في وجه الوزيرة، بحثا عن القاضية، كان الصغير “محمد فرار” ابن حي الكاليتوس بالجزائر العاصمة، يحمل دفتره والكثير من أحلامه، ويهمّ بمغادرة مدرسته، على بعد ساعات من العطلة الشتوية، قبل أن يتعرض لضرب من قبل زميل له، ليفارق الحياة في كبد مدرسة ابتدائية، أمام مرأى الأساتذة والتلاميذ وأيضا بن غبريط والأسرة التربوية.
صحيح، إن الموت قضاء وقدر، وأينما نكن يدركنا، ولو في مدرسة ابتدائية، ولكن المسبّبات هذه المرة في قضية مقتل البريء محمد تشابكت، وكادت تورّط المجتمع بأكمله، ومع ذلك تواصل السيدة نورية بن غبريط معركتها بحثا عن نصر يبقيها حاملة لحقيبة العمر، وتواصل النقابات حصارها للوزيرة بحثا عن نصر يمنحها بعض الامتيازات المادية، ويمرّ مقتل محمد، كما مرت عمليات الغش الجماعي في البكالوريا، وفضائح مدير التربية الأسبق بقسنطينة، الذي توبع وحوكم بتهم خطيرة، وتعيينات الرجال غير المناسبين في الأماكن الحساسة، وفوضى الدروس الخصوصية، وانتشار مختلف الموبقات في مدارسنا، من دون أي قرع لطبول الخطر، وكأن أمر مقتل تلميذ يرتدي مئزرا ويحمل محفظة في قلب المدرسة لا يعني أحدا.
لقد اكتشف رجال الاقتصاد والسياسة في الجزائر بعد فوات الأوان، بأن أسعار النفط المرتفعة التي تجاوزت المئة دولار، لا تدوم، ولم يكتشفوا بعد، بأن النفط نفسه لا يدوم، وتباكوا على رقم الخمسين دولارا، وهم لا يعلمون بأن هذا الرقم أيضا لن يدوم، ومازال رجال علم الاجتماع ورجال الدين والأولياء لم يكتشفوا الانهيار الأخلاقي المريع، الذي نخر جسم المجتمع، بدليل هذه الصور المرعبة التي تصلنا من أماكن ظلّت إلى زمن قريب مقدسة، لا يمسها شرّ أو بهتان، ومن شرائح من المجتمع ظلّت مرتبطة بالبراءة والأمان، وتغيرت صفة المجرم وصالت وجالت في كل الأعمار والمستويات، وفي كل الأماكن من مساجد ومدارس وجامعات وبيوت صار من يدخلها غير آمن.
سيعود تلاميذ وأساتذة مدرسة الشهيد بوعلام خليفي بالكاليتوس، إلى مقاعد الدراسة بعد عطلة الشتاء، ليدرسوا ويمرحوا ويلعبوا ويتشاجروا أيضا، وستعود السيدة نورية بن غبريط إلى مكتبها في وزارة التربية لتعمل تارة وتستفز الآخرين تارة أخرى، وستعود النقابات ومن خلفها عشرات الآلاف من رجالات التربية إلى المطالبة بما تسميه حقوقها من ماديات ورتب، وسيعود أولياء التلاميذ في الثلاثي الثاني إلى البحث عن أحسن الأساتذة للزج بأبنائهم وبناتهم في عالم الدروس الخصوصية، كلهم سيعودون إلى عاداتهم القديمة، إلا الصغير محمد، فقد رحل ذات صباح ثلاثاء عن هذا العالم المتناقض.. ولن يعود؟