من جائزة نوبل.. إلى الحضيض؟
للذين لا يعلمون، فإن مستشفى قسنطينة الجامعي، المسمى حاليا باسم الدكتور الشهيد ابن باديس، ابن أخي رائد النهضة الجزائرية، أحرز أحد أطبائه وهو الفرنسي “ألفونس لافران” عام 1907 جائزة نوبل في الطب. والمنطق يقول إن المستشفى الذي ينتج عباقرة في الطب منذ أكثر من قرن، من المفروض أن يتحوّل إلى كلية عالمية لا تختلف عن كلية “هارفرد” الأمريكية التي تعتبر الأحسن حاليا في العالم، التي لم تبدأ علاقتها بجائزة نوبل في الطب إلا في ستينيات القرن الماضي، ولكن الأمر انقلب رأسا على عقب وصار مستشفى قسنطينة الذي أنجب ثلاثة وزراء للصحة، صورة كاريكاتورية انتقلت إلى عالم التواصل الاجتماعي، لتقدم ما يُضحك وأيضا ما يدمي القلوب، ولا تقدم أبدا ما يشفي الأبدان والمعنويات.
سؤال بسيط يطرحه أي مواطن: من المتسبب في أن يتحوّل مستشفى أنجب الحائزين جائزة نوبل في الطب، منذ أزيد من قرن، وكان مع بداية الاستقلال تُشدّ إليه الرحال، من طلبة الطب من كل بقاع الدنيا، إلى سوق شعبي لا تختلف خدماتها عن الدجل وضرب خط الرمل والشعوذة، التي يشاهدها عامة الناس في الأسواق الشعبية؟
وعندما يصعب تشخيص مرض قطاع الصحة في الجزائر، فستصبح مداواة الأوبئة من المستحيلات، فالمرضى يحملون آهاتهم ولا يريدون أي تفسير سوى العلاج، ومدير المستشفى يتهم الأطباء بتحويل المستشفى إلى ملكية خاصة، والوزير الذي طار أمس إلى قسنطينة وكان واليا على المدينة وعلى مستشفياتها لمدة طويلة، استعان بالإعلام لأجل كشف ما يحدث في أقدم مستشفى في قطاعه، وبين هذا وذاك يضيع التشخيص.. وطبعا العلاج.
وللذين لا يعلمون أيضا فإن مستشفى قسنطينة، قاده في السنوات الأخيرة مدير لا يمتلك شهادة البكالوريا، كان يأمر أطباء بمستوى بروفيسور، يرفع هذا ويُنزل آخر، فجاءت النتيجة صادمة، وهي اعتراف فرنسا بوجود ستة آلاف طبيب مختص على أراضيها من الذين تخرجوا من الكليات الطبية الجزائرية، يداوون الفرنسيين، وغالبية هؤلاء الأطباء تخرجوا من مستشفى قسنطينة الذي صار مذبحا للماشية.. عفوا للبشر.
لو كان الأمر يخص مستشفى قسنطينة فقط، ولو كان الأمر يخص قطاع الصحة فقط، لكان العلاج ممكنا بالكيّ أو البتر، ولكن الظاهرة عمّت في كل القطاعات، وكما اتحد المريض وأهله مع الطبيب والقابلات والممرضات، على تقديم هاته الصور المؤسفة، يبدو أن الشعب قد اتحد مع السلطة على أن يقبروا كل جميل في هذه البلاد.
ومع ذلك يجب تثمين ما يقوم به وزير الصحة الحالي، فهو على الأقل اجتهد بطريقته، رغم أن نتيجة هذا الاجتهاد غير مضمونة، ولو سار بقية الوزراء على نهجه، وصدموا المواطنين وأنفسهم، بصور مماثلة خاصة في قطاعات التعليم بكل أطواره والصناعة والفلاحة فقد يحدث “الديكليك” المنتظر منذ أكثر من نصف قرن.. ربما؟
وإن لم يحدث فمعناه أن البدن العليل قد بلغ حالة الميئوس من علاجه؟