-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من هو  المؤرخ بنيامين ستورا؟

محند أرزقي فراد
  • 6543
  • 15
من هو  المؤرخ بنيامين ستورا؟
ح.م
  • طفا على سطح الأحداث السياسية اسم المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا، بعد أن اختاره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإشراف على ملف الذاكرة الشائك بين الجزائر وفرنسا. فمن هو هذا المؤرخ الأكاديمي وكيف أصبح اسمه يملأ الأسماع والأبصار وتغمره الأضواء الكاشفة في منابر ضفتي المتوسط (الجزائر وفرنسا)، ولماذا وقع عليه خيار قصر الإليزيه كمحاور للجزائر في ملف الذاكرة؟ هل تم ذلك لاعتبارات علمية موضوعية أم لأغراض سياسية مبطّنة يحسن الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون دسّها في مِداد قلم ستورا قد لا ندرك أغوارها وقد لا تكون لصالحنا؟ مهما يكن الأمر فإن غزارة إنتاجه العلمي المنصبّ حول تاريخ الجزائر، والنأي بنفسه عن التصريح بمواقف إيديولوجية سياسية متشنّجة، قد فتح له أبواب التعامل مع الجامعة الجزائرية منذ عقود، وهو ما يعبّر عن الحظوة التي يتمتع بها في أوساط  الجهات الرسمية عندنا منذ عقود.

ولد المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا في قسنطينة بالجزائر سنة 1950م، من طائفة يهودية متأصلة في الجزائر ومنصهرة في المحيط الجزائري انصهارا اجتماعيا وثقافيا، أي أن عائلته كانت تتحدث اللغة العربية بالطلاقة وترتدي اللباس الجزائري. وتزامنت طفولته مع انفجار الثورة الجزائرية التحريرية، ثم رحل مع أفراد عائلته إلى فرنسا حيث استقر هناك وصار فرنسيا بامتياز، دون أن يقطع صلته بمسقط رأسه فظل محتفظا بشعرة معاوية مع الجزائر عن طريق التخصّص في دراسة تاريخها. هذا ولا نعرف أسباب هذا التعلق، هل يفسّر بالحنين إلى طفولته الجزائرية، أم أن اختياره هذا يبطن أهدافا سياسيا فرنسية لا تُرى بالعين المجردة؟

اختلفت الآراء حول شخصية بنيامين ستورا ونواياه، التي يتحفظ منها  البعض، كالمؤرخ الدكتور جمال يحياوي الذي يتوجس منه خيفة بالنظر إلى ارتباطه بدوائر خفية ليست راضية عن خط الجزائر المستقلة، ويعيب عليه “شحّه” في استغلال الأرشيف الفرنسي رغم أن كل الأبواب مشرعة أمامه، كما يعيب عليه أيضا قلة  جرأته  في نقد الاستعمار الفرنسي، خلافا للمؤرخ الفرنسي أولفيي لوكور ڤران ميزون – مثلا- صاحب الكتاب الرائع: “الاستعمار إبادة”، الذي أشرف الدكتور جمال يحياوي على ترجمته حينما كان على رأس المركز الوطني للدراسات التاريخية الخاصة بالحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر، التابع لوزارة المجاهدين. وفي السياق نفسه يرى المؤرخ الدكتور إبراهيم لونيسي أن بنيامين ستورا مؤرخ له باع طويل في كتابة تاريخ الجزائر بأبعاد سياسية معيّنة، لكنه ظل أسيرا لخلفيته التاريخية المتمثلة في انتمائه إلى الطائفة اليهودية التي غادرت الجزائر غصبا عنها، وقد ألقى هذا الجانب بظلاله على جهوده العلمية لأنه ظل يعيش داخل القوقعة اليهودية. وخلافا لهذه القراءة السابقة هناك من يعتبره مؤرخا متحرّرا من ربق المدرسة التاريخية الكولونيالية الممجّدة للاستعمار، ولا ندري إن كان ذلك يعود إلى بصمة المؤرخ الكبير شارل روبير أجيرون الذي أشرف عليه في الجامعة. وأكثر من ذلك قام بتعرية الظاهرة الاستعمارية في الجزائر معتمدا على كم هائل من الأرشيف، وعلى اعترافات ضباط فرنسيين في مذكراتهم بما ارتكبوه من مجازر لا تقلّ هولا عن جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية.

وبصرف النظر عن تنوع القراءات لشخصية بنيامين ستورا، فإن ما يميّز مسار هذا المؤرخ المثير للجدل أنه ينتمي إلى جيل ما بعد الاستعمار، وتتميّز أعماله بمسحة الحياد البادية على أعماله العلمية الخاصة بتاريخ الجزائر قديمه وحديثه، فقد نأى بنفسه عن المواقف المتشنّجة، لأنه يدرك أن حال الدارس لموضوع الذاكرة التاريخية بين الجزائر وفرنسا، كحال من يسير في حقل ملغم قد تنفجر عليه قنابل موقوتة هنا أو هناك. كما يبدو من خلال كتاباته أنه ملمّ إلماما واضحا بعمق المكوّنات الاجتماعية المتنوّعة التي صنعت الجزائر المعاصرة. ومن خصاله أيضا أنه تعاون مع بعض المؤرخين والكتاب العرب في الكتابة التاريخية، علما أنه ينتمي إيديولوجيا إلى التيار اليساري المعروف بتعاطفه مع قضايا التحرر. فهل سار على نهج المؤرخ الفرنسي شارل روبير أجيرون المعروف بموضوعيته، الذي فضح المدرسة الاستعمارية حين قام بتشريح جرائم الاستعمار الفرنسي من خلال بحثه القيّم الموسوم: “الجزائريون المسلمون وفرنسا 1871- 1919” الصادر سنة 1968م؟ مهما يكن من أمر فهو يحظى بشيء من التقدير في الجزائر، تؤكّده زيارته العلمية المتواصلة و يتجلى في طبع بعض كتبه لدى المطابع الجزائرية العامة والخاصة.

وبالنسبة لمؤلفاته الخاصة بتاريخ الجزائر فهي كثيرة شملت حقولا متنوعة، منها المفصّلة ومنها المختصرة، عالج فيها موضوعات شتى مسّت جذور الحركة الوطنية وروادها الأوائل، وكذا الاستعمار وجرائمه، وثورة أول نوفمبر 1954، والهجرة الجزائرية إلى فرنسا، وحرب الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، وكتبَ أيضا عن يهود الجزائر وهجراتهم المتنوعة وعن الشرخ الذي حدث بينهم وبين المسلمين، وكتب عن العنصرية التي يعاني منها العرب، كما كتب أيضا عن طفولته في مسقط  رأسه بقسنطينة. والجدير بالذكر أنه تعاون في أبحاثه العلمية مع بعض المؤرخين الجزائريين أذكر منهم محمد حربي. هذا وأنصح الجمهور العام  بقراءة كتابه: “تاريخ الجزائر الاستعمارية 1830- 1962م” – على الأقل-  وهو مطبوع في الجزائر(المؤسسة الوطنية للكتاب 1996م) ومتوفّر في مكتبات الجزائر.

وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن معالجة الملف الذي نحن بصدده تحتاج إلى  شخصية قويّة تتميز بـ”ملمح” يجمع بين الكفاءة العلمية، والدراية السياسية، والقدرة على توظيف سلطة العلم أمام سلطة السياسة، والبراغماتية التي تقتضي التحلي بالرزانة، لأن المسألة أكبر من أن تختزل في العنتريات المنجبة لجعجعة الحماسة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
15
  • رشيق

    بن يمين ستورا يمثل فرنسا و عبد الحميد شيخي يمثل الجزائر والاثنين اكادميين علي الجزائر ان تدافع علي تاريخها بكل شراسة لاتنازل ولا تسامح علي درب الابطال المجاهدين الشهداء حتي ننزع منهم الاعتراف بالذنب عفوا بالجرائم المقترفة في حق الشعب الجزائري .....شكرا.

  • mouh dz

    لا يمكنني ان ان انسى من قتل جدي و12 مليون جزائري من 1830 الى 1962 ملاين القتلى والمجازر اتت على مدن بكاملها مثل مجزرة البليدة والزعاطشة والحراش ومستغانم والظهرة وقسنطينة وبسكرة والاغواط التي استعملت فيها سلاح كيمياوي اول مرة في التاريخ البشري عشرات الالاف من القتلى هم وحيواناتهم ومزروعاتهم التي تحرق ونهبت الاف الاطنان من الذهب والحديد والفوسفات والزنك والرصاص والفضة والبترول والغاز واخطرها هويت الشعب التي بالكاد طمست لما منعت تدريس العربية وحولت المساجد الى كنائس او اسطبلات للحيوانات. وهجرت الاف الجزائرين الى كاليدونيا وجربت قنابلها النووية على جزائرين مربوطين ومازال اشعاعها الى الان يحصد جز

  • الحزين على وطنه

    نحن أتعس خلق الأرض، نحن عنصر ملعون: يحكمنا أبناء الجنس اليهودي الحقير الحقود بالحديد و النار ، يخربون بلدنا و ينهبونا ثرواته، يقسّموننا و ينشرون الفتنة بيننا، يُفقّروننا رغم غنى بلدنا، يُجهِّلوننا بتحطيم منظومتنا التربوية و مؤسساتنا الثقافية و الدينية، يُبيدون نخبة الجزائر و يُهجّرون ما بقي من أفرادها إلى أطراف الأرض، يملؤون بلدنا بالقبح و الشرور و التخلف و الفوضى، يحرقون غاباتنا و ما فيها من كائنات بريئة ثم يأتون ليكتبوا لنا تاريخنا و ليقرّروا كيف تكون علاقاتنا مع فرنسا و غير فرنسا

  • م/ب اولادبراهيم

    لنا مجموعة من المؤرخين يستطعون الوقوف لبن ؛ يمين ستورا الندللند او اكثر ولهم دراية كبيرة بالملف؛ واغوارالتاريخ الوطني؛ وهم وطنيون حتى النخاء مثل رباعي تاريخ مباشر..ولهذا يصب على الرئيس الاختيار
    الفرسان كلهم على مسافة واحدة .. فمن ياترى يكون له الشرف ويكلف بالمهمة ؟؟ . المهمة صعبة ؛ والاختيار أصعب؟؟

  • محمد

    الرجل متزن خاصة حين يخاطب الجزائريين المعروفين بالعاطفيين الذين يستحسنون كل من يتعامل معهم بلطف.زد على ذلك إنه يهودي ونحن نعرف صيغة تعامل اليهود مع المسلمين.لقد تمكن اليهود من الإطاحة بكل الدول العربية باستعمال اللين معهم والانقضاض عليهم حين تحين الفرصة.إذن لا أثق ولن أثق أبدا في يهودي ولو كان حتى من أصل جزائري.إنهم تعاونوا مع فرنسا لاحتلالها بلدنا وحين أعلن استقلالنا كانوا أول من رفض البقاء تحن حكم الهلال.إذن فلنعامل ستورة علميا لمصلحة بلدنا وعلى أنه يمثل فرنسا التي ما زالت تقوم بيننا وبينها خلافات سببها فقدان الجزائر لمصالحها عبر التاريخ.فلنكن براجماتيين ونزيل عن أذهاننا تلك الروابط العاطفية

  • العربي

    فارس التأريخ في الجزائر بلا منازع وهو البحاثة البروفيسور خليفة حماش الذي تزيد كتبه عن المئتين مع إتقانه للغة العربية والتركية والفرنسية والإنجليزية كتابة ومحادثة. ولكن لا أعتقد أنه يقبل بالمهمة لو عرضت عليه؛ لأنه يرفض الأضواء الكاشفة والظهور في مختلف وسائل الإعلام .

  • جزائري والسلام

    اذا كانت فرنسا اختارت قامة بحجم بنجامين ستورا لمعالجة ملف الذاكرة فنحن للأسف ليس لنا مؤرخين من هذا الحجم والدليل هي الجرائم الشنيعة التي ارتكبها مؤرخونا في حق تاريخنا الذي زوروه من بدايته الى نهايته الى درجة

  • مواطن

    عندما نتفحص جيدا ذهنية ستورا و طريقة طرحه للحقائق التاريخية و محاولة افهامها للمتتبع
    أقول انه خطير على الجزائر لأنه يمكنه ان يصل الى اهداف السياسة الفرنسية للسيطرة على الجزائر
    بإقناع للجانب الجزائري بدهاء و مكر لا يمكن ادراكه اذا لم يكن لهذا الاخير بعد نظر و درجة كبيرة من الاستشراق....
    بإختصار التعامل مع لوبان اسهل من التعامل مع ستورا...

  • ayedbrahim

    لماذا لم تقل رايك في هذا الشخص؟ لا تخف فلن يتهموك بمعاداة السامية ،فلو كان العكس لاعطى رايه فيك دون تردد .

  • العمري

    بنجامان ستورا مؤرخ فرنسي وليس جزائري .ولد في الجزائر في عائلة فرنسية يهودية .
    اهتمامه بالجزائر يعود الى مساره الذاتي وعلاقته بمسقط رأسه. أما معالجته للتاريخ الجزائري الفرنسي، ففيها كثير من الموضوعية لأن ستورا أكاديمي وباحث والعمل العلمي لا بد أن يتوخى الموضوعية، ثم لا ننسى ثقافته السياسية المرتبطة باليسار الفرنسي الذي كان مؤيدا ومتعاطفا مع الثورة التحريرية في الجزائر وهذا ما لا يتذكره او لا يعرفه كثير من الجزائريين. اما بخصوص مهمته الجديدة فهي سياسية بامتياز.الرجل يناضل من اجل الاعتراف المتبادل أو المصالحة بين الذاكرتين الجزائرية والفرنسية وهذا في نظره هو الذي يحفظ لفرنسا مصالحها في الجزائر.

  • جزايري حر

    مقا ل أكثر من رائع
    حبذا لو يكون الأستاذ فراد صاحب عمود صحفي ثابت على الشروق

  • فيفي

    سمعته يتكلم في لقاءات تلفزيونية و اذاعية و وجدت الكثير من الحقبقة و الموضوعية لكنه يبقى يهودي يجب الحذر منه

  • أمين

    على ضوء ما جاء في الموضوع .. هل يمكن أنهم إذّخروه إلى يوم كهذا (للإشراف على ملف الذاكرة الشائك بين الجزائر وفرنسا) ؟؟ .. ما جاء في الموضوع يجذب بقوّة إلى هذه الفرضية

  • ثانينه

    الاستاد فراد من المؤرخين النزهاء بعيد عن الداتيه له موضوعيه في دراسه الظاهره التاريخيه نقرا كثيرا للاستاد فراد لان اغلب الدين يدعون بمؤرخين يحرفون التاريخ ويفسرونه حسب انتماءهم الاديولوجي.ولكن اري يا استاد فراد انك كنت قاسيا وغير موضوعي بالنسبه للمؤرخ بن يمين اسطورا اولا يمكن ان نقول انه جزائري من اصل يهودي لانه ابن البلد وابوه وجده ابناء البلد كدالك فلا احد يتجرا ان يقول علي فلان انت لست جزائري ثم ان هدا الانسان كان من اليسار ولم يشتم الجزائر ابدا وكانت له مواقف مندده بمجازر 08ماي وهو علمي يتعامل مع التاريخ بكل موضوعيه وله نفس مواقفك من هده الناحيه.ويحب الجزائر ويكتب دائما للجزا

  • SoloDZ

    آراءه كلها معتدلة وفي كثير من الاحيان تميل لانصاف الطرف الجزائري بشكل يعجز عن فعله حتى المؤرخون الجزائريون لا اعرف لماذا هو هكذا معتدل مع الجزائر هل لأنه جزائري المولد او لأن شخصيته نزيهة بكل بساطة وكانت له وجهة نظر مع قناة جزائرية خاصة مؤخرا بخصوص رفات او تاريخ الابطال الشهداء المسترجعة رفاتهم وكان كلامه بشأن هذا الموضوع مميز لا يختلف عن كلامه حول الذاكرة الجزائرية الفرنسية المشتركة بأكملها والسؤال الذي يطرح هو لماذا بما أنه جزائري فرنسي لماذا لا يخدم الجزائر بدلا من فرنسا وهل باختياه يعتبر رسالة ايجابية من باريس ثم هل سيؤثر انتماءه الديني على ثقتنا ونحن نعرف مواقف يهود فرنسا تجاه الجزائر ؟