-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يحمي الجزائريين مِن “جهلهم”؟

من يحمي الجزائريين مِن “جهلهم”؟

لم تثِر حادثة مقتل سيدة، بالضرب المُبرح، بعد جلسة “رُقية” مركّزة، في مدينة سيدي بلعباس، أكثر من خبر إعلامي عابر وفتح مصالح الأمن لتحقيق في الحادثة، حتى أن مواقع التواصل الاجتماعي التي “تُفتي” في كل شيء، وتسبح في كل المحيطات، لم تعلق على الحادثة، واعتبرتها ضمن “القضاء والقدر” على الطريقة، التي تمنح صكّ البراءة والغفران للفاعل، ولا تمنح للمظلوم ولأهله حق الاعتبار.

مثل هذه الأحداث المؤلمة التي صارت تعالج الداء بالموت، تسيء للمجتمع وتهدّم ما بناه الشيخ عبد الحميد بن باديس، ورجال جمعية العلماء المسلمين، منذ تسعين سنة، عندما منحوا القيادة للعقل، وحاولوا قطع الطريق على المشعوذين والطرقيين الذين صنعتهم فرنسا، فدسّوا السموم في إسلام المعارف، وحاولوا أن يصوّروه مجرّد “زردة وجنّ وسحر” وفقط، فكانت النتيجة أن عاثت فرنسا فسادا في الجزائر وفي الجزائريين، حتى كادت تنسف بصفة كاملة عقولهم، وتصوّر لهم الإسلام على أنه عالم “الأغوال” الذي لا يخرج فيه المسلم من رعب، إلا برعب ونحو رعب آخر، فارتضى الجزائريون بأن يبقوا في هذا العالم البائس، لمدة فاقت القرن من الزمن، يعالجون أمراضهم البدنية والنفسية والاجتماعية، بوشم في البدن أو تميمة في الجيب أو قراءة كف، ويقبلون بالاستعمار، وبقوة غيرهم على أنها قدر ومكتوب، لا يجب النقاش فيه، فما بالك رفضه.

ويعيد التاريخ نفسه الآن، ويعود الجهل من دون طائرات ولا دبابات ولا حتى رصاص، إلى درجة أن الذي يناقش مثل هذه الأفعال، يُرمى بالكفر والفسوق، فصار في كل عمارة مشعوذ يزعم الرقية، وفي كل معارض الكتب الدولية، مؤلفات عن كيفية معالجة السحر وقهر الجن والهروب من سطوة عين الحسود، وعلى لسان الأئمة والدعاة كلام عن شرّ النفاثات في العقد فقط، ولا كلام أبدا عن رحمة رب الفلق والناس والله الأحد. وسنجد صعوبة في شرح هذه الجريمة التي حدثت في سيدي بلعباس لأي أجنبي لو سألنا عن حيثياتها، وسنجد صعوبة في تحديد المسؤوليات، اللهم إلا إذا أشرنا بالبنان إلى كافة أفراد المجتمع الصامت الذي حاول التحجج بالدين بتبرئة نفسه وهو في الواقع يسيء لدين العقل والعلم ويُلبس نفسه مثل هذه الجرائم المريعة.

في سيدي بلعباس أصيبت سيدة في الثلاثين بمتاعب نفسية، فلم تفكر عائلتها في أسباب ما عانت منه ابنتهم، واقتنعت بأن الجن قد تحكّم في إرادتها، وأجمعت على أن شفاءها سيكون على يد راقي البلدة، وتجرأ الشيخ على أن يبرحها ضربا ولا نظن بأنه مؤمن بما يقوم، إلى أن دخلت السيدة في غيبوبة، فتم نقلها في حالة حرجة إلى مستشفى سيدي بلعباس، حيث فارقت الحياة.

المصيبة الأولى أن السيدة ماتت، والمصيبة الثانية أن وفاتها وقعت أمام أنظار هذا الكمّ من الشهود، والمصيبة الأخطر أن بعض أهل سيدي بلعباس برّأوا الجميع، وقالوا بأن الجن هو ما قتلها!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!