الجزائر
بكسره جدار الصمت وإحراج الأنظمة أمام شعوبها

موقف الجزائر من التطبيع يغيظ الصهاينة ويخلط الأوراق!

عبد الحميد عثماني
  • 18252
  • 30
ح.م

لا يزال الموقف التاريخي القويّ للجزائر، على لسان رئيسها عبد المجيد تبون، الرافض رفضا قاطعا للهرولة نحو التطبيع، يُحدث ارتدادات مزلزلة ومدويّة في عرش الكيان الصهيوني وعشّه الواهن، حيث ظهر مثل الذي يتخبطه الشيطانُ من المسّ، فراح يلفّق مواقف زائفة في صورة أدوار معزولة لمنتحلي صفة جزائريّة، من أجل التشويش العبثي على صدى الرجّة القوميّة التي كسرت جدار الصمت الإقليمي إزاء حملة التطبيع العربية الإسرائيلية، تعبيرا عن الروح الجزائريّة الوطنية الأصيلة المنبثقة عن نهجها الثوري في نصرة القضايا العادلة، وانسجامًا كذلك مع قرارات القمم العربية، والإسلامية، والشرعية الدولية، وفق مقتضيات السيادة في مواجهة الغطرسة الصهيونيّة ضد الأمة.

وضمن تلك المحاولات المكشوفة والعدميّة، راح الكيان الصهيوني يجتهد في تسويق صورة مزيفة عن الجزائريين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم وشرائحهم ومستوياتهم، والتي تذوب جميعها أمام قدسية القضية الفلسطينيّة، فقد أغرى نكرة لانتحال صفة الهوية الجزائرية، وقدّمه دون حياء كأنه متحدث باسم الشعب الجزائري في منتدى افتراضي عبر تقنية “الزوم”، مع أنه يبقى مجهولاً، والغرض التعيس ليس سوى التشكيك الوهمي في تماسك الموقف الوطني من القضية الفلسطينية المقدسة بين المستويين الرسمي والشعبي.

وبذلك زعم هذا الشخص المغمور المحسوب على الجزائر، خلال ندوة صهيونية  تحدّث منشطها بالعبرية، ما خلاصته أن “الصهاينة ضحية تحريض وكراهية من العرب”، وهي فقرات مقتضبة متهافتة، جعلت منها دوائر صهيونيّة بصفة مبطنة مؤشرا كاذبًا على اختلاف الجزائريين بشأن الموقف من الاحتلال الإسرائيلي، فمتى كان دعيّ بمفرده يعبّر عن إرادة دولة بكافة مؤسساتها وشعب بكل قواه المجتمعيّة والسياسية والجمعوية، ما فتئ يسند القضيّة الفلسطينية على مرّ العقود، بل يدفع ثمن ذلك من استقراره وأمنه.

إنّ مثل هذه الترّهات التضليليّة لا قيمة لها في ميزان المواقف التاريخية المؤسساتية والشعبية العميقة، ولا وزن لها كذلك في رجْع الصدى الإعلامي، فضلاً على أن تكون ذات تأثير على توجهات الرأي العام المحلي والدولي، فيما يتعلّق بشفافية ورمزية وقوّة الموقف الجزائري الصلب والمبدئي والعملي كذلك في إسناد القضية المركزية للأمة.

من جهة أخرى، وضمن مؤشرات الصدمة القوية التي هزّت الكيان الصهيوني من الموقف الجزائري، طالب إيدي كوهين، مستشار بنيامين نتنياهو، الأنظمة العربية بدفع 200 مليار دولار كتعويضات لما سماهم “النازحين اليهود”.

ونقلت قناة “روسيا اليوم” زعمه أنّ “جمال عبد الناصر نهب 70 مليار دولار من اليهود المصريين خلال حرب السويس، كما استولت مصر على حسابات وممتلكات ليهود بعد حرب 1967، كما نهب النظام العراقي آلاف البيوت لعائلات سمرا وبلاش وبلانكا، فيما حوّلت الجزائر المعابد اليهودية إلى مساجد”.

ولم يكن وُرود الجزائر على لسان المستشار الصهيوني، إيدي كوهين، سوى تعبير عن ألمٍ عميق يقضّ مضجع الكيان، جرّاء الثبات التاريخي لموطن الشهداء تجاه الحق الفلسطيني، كقلعة راسخة ضمن رواسي الصمود العربي في وجه التطبيع، ليبقى بذلك غصّة في حلق الاحتلال الغاصب.

موقف استثنائي يُخلط أوراق المطبّعين

وتأتي هذه الخزعبلات المضحكة في أعقاب ردود الفعل المهلّلة بموقف الجزائر الاستثنائي في السياق العربي المتواطئ أو الصامت في أحسن الأحوال، وهو بلا شكّ ما يزيد من حنق العدو الصهيوني وغيظه الشديد من أثره البالغ في إسناد حركة التحرر الفلسطينية ورفع معنويات شعوب المنطقة واستعادتها ثقتها بنفسها في مواجهة الأمر الواقع للاحتلال.

وبهذا الصدد، أكد السفير الفلسطيني لدى الجزائر، أمين رمزي مقبول، أنّ “تصريح الرئيس تبون الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، قوي وجاء في وقته، هو رسالة للعالم، وسيكون له تأثيره في المنطقة العربية وأفريقيا والعالم أجمع”.

كما قالت منظمة التحرير الفلسطينية، على لسان عضوها التنفيذي أحمد مجدلاني، “إنّ هذا الموقف العروبي الأصيل ليس غريبا على الجزائر التي دعمت وما زالت تقدم الدعم للقضية الفلسطينية، لأن بلد الشهداء يدرك أن لا سلام ولا أمن ولا استقرار دون إنهاء الاحتلال”.

أما رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية فأعرب عن تقديره عاليا لموقف الجزائر “التي رفضت أن تظل على الحياد أمام الظلم التاريخي الذي تعرض له الشعب الفسلطيني”، وأردف “إن روح التوأمة بين الشعبين الفلسطيني والجزائري ستبقى على مدار الزمن”.

وفي تغريدة عبر حسابه في “توتير”: قال الناطق الرسمي باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس “نثمن تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حول رفضه القاطع للتطبيع مع الاحتلال وتمسكه بدعم القضية الفلسطينية، وهذا تعبير عن أصالة الموقف الجزائري تجاه قضية فلسطين”.

وبدوره، أشاد مفوض العلاقات الدولية باللجنة المركزية لحركة فتح، روحي فتوح، بموقف الرئيس تبون، وبالدور الإيجابي الذي تلعبه الجزائر في المحافل الدولية لدعم القضية الفلسطينية والرافضة للاحتلال الإسرائيلي.

أما “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” فقد اعتبرت أن “تأكيدات الرئيس تبون تعكس حقيقة مشاعر الجزائر حكومة وشعباً ورئاسة، إزاء القضية الفلسطينية، وأنّ على العواصم العربية أن تحذو حذوها لتستعيد موقعها في دعم القضية التزاماً بقرارات قمة بيروت 2002”.

وفي السياق، ثمَّن عضو حركة الجهاد الإسلامي، نافذ عزام، موقف الرئيس تبون، الرافض للتطبيع، قائلا إنّ “هذا الموقف ليس غريباً على الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، وهو بلا شك صفعةً للدول العربية المنخرطة ضمن المعسكر الأمريكي – الإسرائيلي”.

ومن جانبه، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور علي محيي الدين القره داغي، رسم صورة سياسية عن الفرق بين القادة العرب في ضوء الموقف الجزائري، إذ كتب مغردًا أنّ “كل حاكم عربي يستمد قوته من الشعب رفض التطبيع، أما من لم يكن اعتماده على شعبه فقد انقاد وراء أسياده للمحافظة على كرسي الحكم”.

من الطبيعي إذن أن تثير مثل هذه الردود غضب الكيان الصهيوني على الجزائر، لأنه لم يكن مجرد تصريح سياسي خلّف تفاعلات عابرة، بقدر ما هو موقف استثنائي أخلط الأوراق والحسابات الصهيونية وسيكون مفعوله سلبيّا يقينًا على ترتيبات جميع المتواطئين ويضعهم في موقف حرج أمام شعوبهم، ليُسقط بذلك مخطط توسيع خارطة التطبيع أو على الأقلّ يؤجل بعض مراحله إلى إشعار آخر، وحينها قد تكون للشعوب كلمتها الفاصلة، وما ذلك على الأمة الحرّة بعزيز.

مقالات ذات صلة