الرأي

نابغة الإحسان

لا يمكن لأي مشروع أن يقوم وأن يفيد الأمة إلا إذا كان قائما على دعامتين اثنتين هما:❊) رجال مخلصون يملكون الأبصار الحديدة والعقول الرشيدة والأفكار السديدة..❊) مال كريم يسدّ به ما يحتاجه المشروع من احتياجات مالية.. وقد يتوافر عنصر واحد فلا يغني، فمال في يد السفهاء لا يفيد، ورجال بلا مال كسيارة بلا محرك.

لقد جاء في القرآن الكريم أن جماعة من الصحابة – رضي الله عنهم- جاءوا إلى رسول – صلى الله عليه وسلم- يريدون أن يجاهدوا في سبيل الله بأنفسهم، فاعتذر إليهم بأنه لا يجد ما يحملهم عليه، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع، ومن أبرز من خدموا الإسلام بأموالهم أكثر مما خدموه بسيوفهم الصحابي الجليل عثمان بن عفان، ذو النورين، رضي الله عنه، وما تجهيزه لجيش العسرة بفريد.. فكانت له البشرى من سيدنا محمد البشير – عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.

إنني أؤمن إيمانا لاريب فيه، ولا شية فيه أن أعظم مشروع في تاريخ الجزائر المعاصر هو مشروع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لا يجادل في ذلك إلا ذو مرض أو غرض..

فما ظنّ الظانين السوء بمشروع يجمع الجزائريين على أخير ما يكون، ويشرف عليه علماء في مختلف التخصصات، مستنير بمبادىء الإسلام، محصّن بأخلاقه، حيث لا ظلم، ولا رشوة، ولا تزوير، ولا غش، ولا احتكار، ولا ربا، ولا فجور..

ويقوم به جزائريون لا يبيعون وطنهم بثمن بخس، ولا يكونون معاول هدم لهذا الوطن، ولا يقدمونه “هدية” للأعداء، ولا يؤثرون عليه أي شيء..

لقد قيض الله – عز وجل – لهذا المشروع النبيل رجالا ليسوا كأحد من الرجال علما، وعزما، وحزما، ووصل الأمر ببعضهم أن جعلوا نفوسهم “وقفا” على الجزائر، واعتبرواالخروج منها لتخلو للعدو فرارا من الزحف.. ولكن الأمر الذي أرّق جفونهم وأقضّ جنوبهم هو قلة المال أحيانا وانعدامه أحيانا، فأكثر الشعب الجزائري كان لا يملك قوت يومه بسبب سياسة التفقير التي فرضتها عليه فرنسا، والقلة التي كانت تملك نصيبا من المال استحوذ الشيطان على أكثرها واتخذها إخوانا لأنهم كانوا من المبذرين..

ما كان الله – عز وجل- ليذر مشروعا نبيلا شريفا كهذا، يستهدف إنقاذ شعب مسلم من التنصير والفرنسة يضيع فوفّق بعض من آتاهم من فضله واستخلفهم في رزقه ليكونوا للجمعية في هذا الجانب أنصارا..

ومن هؤلاء رجل نعته الإمام الإبراهيمي بـ “نابغة الإحسان”(1)، ولقبته جريدة البصائر بـ “أمير المحسنين”(2)، حيث كتب على نفسه أن يخصص نصيبا من ماله لجمعية العلماء، ثقة منه في قادتها، واقتناعا بمشروعها، وإيمانا منه بأن “أنفع الأعمال لأمتنا الجاهلة هو التعليم”، لا مهرجانات السفاهة التي يوحي بها الشياطين إلى أوليائهم.

وما هذا النابعة في الإحسان، وأمير المحسنين إلا المرحوم محمد خطاب الفرڤاني، (من الميلية) وهو كما يقول الإمام الإبراهيمي “اسم خلا من نعوت السيادة، وتجرد أصله من حروف الزيادة، فصاحبه هو السيد”، وما أكثر الذكور في وطننا وأقل الرجال.

 .

هوامش:

1) آثار الإبراهيمي.. 3 / 570

2) البصائر 4 / 12 1953 ص5.

مقالات ذات صلة