منوعات
"الشروق أون لاين" يبحث في أرشيف حصن الهوية

نادي الترقي: دينامو النهضة الجزائرية الحديثة

الشروق أونلاين
  • 14691
  • 16
ح.م
صورة نادرة لأفذاذ العلماء الذين بعثوا الترقي

يشكّل نادي الترقي العريق في الجزائر ملحمة إصلاح حقيقية وبوتقة مهّدت لأفاريز الفكر التحرري المتمرد المبدع المتفتح، كما ظلّ حصنا منيعا أبطل خطط المحتل الفرنسي القديم لمسخ الهوية، ولا مندوحة أنّ نادي الترقي يعتبر أيقونة النهضة الجزائرية الحديثة، وهو ما يتناوله “الشروق أون لاين” في هذه الورقة.

تأسس النادي في ربيع سنة 1927 على شرفة واسعة ضخمة مطلة على ساحة الحكومة وسط العاصمة، وهو ما سمح للنادي باستقطاب قطاع ضخم من الناس، ويقول نسيم العقبي حفيد الشيخ الطيب العقبي أحد كبار أعلام الجزائر، أنّ فكرة إنشاء نادي الترقي برزت لدى الأعيان بهدف توفير مكان لتلاقي مواطنيه بكل أطيافهم، في ظرف اتسم بغلق كلي فرضه المحتل الفرنسي.
من جانبه، يشير أحمد توفيق المدني، في مذكراته الموسومة “حياة كفاح 1925 – 1954” أنّ نادي الترقي كان مشتلة لتكوين الأفكار وبروز الآراء وإنضاج مشاريع الإصلاح الاجتماعي على يد فرسان لا يشق لهم غبار أمثال: محمود بن صيامة، محمود بن ونيش، محمد بن مرابط، حمدان بن رضوان، محفوظ زداك، بوعلام فليسي، محفوظ بن سلام، وآل منصالي، وكوكبة واسعة.

كسر الاستيطان
يؤكد مخضرمون أنّ نادي الترقي نجح في وقت وجيز من جمع شمل الجزائريين وتفرّعت عنه جمعيات عديدة عملت على ردم الهوة التي أفرزها إقدام السلطات الفرنسية على تحويل مدارس ومساجد المسلمين وتحويلها إلى كنائس، وحال قادة النادي دون هدم الجامع الكبير، وكثفوا جهود تحفيظ القرآن الكريم وتدريس اللغة العربية.
وأسهم النادي أيضا في حراك متعدد، فأضاء شعلات الدين والرياضة والفن والخير عبر نادي مولودية الجزائر لكرة القدم وفرقة الموسيقى الأندلسية، وصولا إلى جمعية العلماء المسلمين التي أبصرت النور في الخامس ماي 1931، والجمعية الخيرية والتي تأسست في خريف سنة 1933، وجمعية الكوكب التمثيلي الجزائري التي كان يشرف عليه الشاعر الراحل “مفدي زكريا” بمعية الطيب العقبي وعبد الرحمن الجيلالي.

انفتاح جامع
أنشأ النادي إتحاد المؤمنين الموحدين سنة 1935، وضمّ اليهود الجزائريين من أمثال: ايلي غزلان، ونصارى مثل لوفراني بن عيشو، وأبي موشانين، ولم يقتصر على اللقاءات والمحادثات بل تعداها لتقديم محاضرات مشتركة، بأسلوب يشابه مبادرة حوار الأديان بين أبناء الوطن الواحد.
وتضمن العدد 38 من جريدة البصائر في التاسع أكتوبر 1936، دعوة الطيب العقبي لمواطنيه إلى رفض شراء أملاك يهود الجزائر، بالتزامن مع إطلاق الإدارة الفرنسية مشروع “بلوم فيوليت” الذي تراجع عن بعض ما تضمّنه “قانون كريميو” (جرى إلغاؤه في السابع أكتوبر 1940) بعدما منح اليهود حقوقا مضاعفة عن الأهالي، على حد توصيف فرنسا للجزائريين آنذاك.
ويشير الباحث “حسن حماني” إلى أنّ النادي تحوّل إلى تكتل متكامل وشامل لكل الأطياف، ونهض بالتوعية حيث حرص عمداء النادي على اقتحام المواخير ونوادي القمار ونجحوا في تقويم مسارات مرتاديها، كما جرى تأسيس لجنة الدفاع عن فلسطين في 1947. 
وكان نادي الترقي وراء تكوين نواة التحرّر، فأوائل مجاهدي ومجاهدات الجزائر كانوا من أبناء النادي.

استنفار
استنفرت روح الترقي المحتل الفرنسي الذي طبّق سياسة “فرق تسد” وحاول بثّ روح الخلاف، عبر اللعب على وتر القبلية والمذهبية، وامتد التضييق ليحظر على العلماء إلقاء الخطب والتدريس، بجانب نشر الخرافات لكن كلّ ذلك لم يُجدي نفعا بفعل حكمة رواد النادي وعلى رأسهم العلامة الرمز “عبد الحميد بن باديس” (1889 – 1940) رائد النهضة الجزائرية الحديثة الذي أطلق مقولته الشهيرة “لا تجعلوا القليل الذي نختلف فيه سببا لنفترق”.

قلعة مغيّبة 
انتقد “الزبير يقدح” أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر، ما يتعرض له نادي الترقي حاليا، إذ بات أقرب إلى قلعة مغيّبة رغم أنّ الواجب التاريخي يفرض تثمين رصيد الأوّلين.
ولفتت الباحثة “عفاف زقور” إلى أهمية إحياء ناد حطّم كل مؤامرات الفرنسيين وانتقل من تعبئة المصلحين إلى ضم فعاليات الساحة والإصلاح، وعلى الجزائر الافتخار بأمجاد ورموز صنّاع مجدها الأول.
من جهته، اعتبر المؤرخ “محمد القورصو” أنّ المسؤولية جماعية على درب إبقاء شعلة نادي الترقي متقدّة، وتخليد مآثر عمرها يربو عن الثمانية عقود.

مقالات ذات صلة