الرأي

نجوى كرم وبرلمانيو الجزائر

ح. م

تزامن نشر أحد البرلمانيين الجزائريين، من الذين يزعمون المعارضة، على صفحته على “الفايسبوك”، انتقادا شديدا لوزارة الثقافة، على خلفية دعوة الفنانة اللبنانية المارونية نجوى كرم، لإحياء حفلات في العديد من المسارح والقاعات الجزائرية، مقابل حصولها على ما يقارب المليار سنتيم، مع دعوة البرلمانيين ومنهم هذا “المعارض”، على تحسين رواتبهم التي وصفوها بالمتواضعة، إلى درجة أن أحدهم قارنها برواتب برلمانيي ألمانيا المنتفخة.

وإذا كانت أفكار بعض السلطة وبعض الشعب، تسير على هذا المنوال، في كيفية التداول على الثروة، فالأحسن أن تبقى البلاد على نهجها القديم إلى أن تجف آبار النفط، وأن لا تدخل عالم التقشف، لأن الذين ينتقدون صرف المال العام في عالم الكرة والفن، يطالبون بتحويله إلى حساباتهم الخاصة، حيث يرون أنفسهم الأجدر بكل دولار أو دينار من مداخيل الدولة، فبدلا من أن تؤدي نجوى كرم أغنيتاها الشهيرة مثل “ماحدا لحدا وندمانة وشو مغيّره وعم يمزح معك وما بسمحلك”، وتأخذ نظير ذلك الملايين، تُصب هذه الأموال في حسابات البرلمانيين الذين يتقاضى أضعفهم أجرا من دون حساب المزايا الكثيرة، ما لا يقل عن ثلاثين مليون سنتيم، نظير “ندم ومزاح” ولسان حال الشعب “ما أسمحلك ولا أحد لأحد” على حد تعبير أغاني نجوى كرم.

قد يكون الحل الأمثل لأزمة الجزائر الحالية، والمرتقب اشتدادها في السنوات القادمة في غياب أفكار جادة للخروج من الأزمة، هي التقشف، ولكن الحل قد يصبح كارثة إذا تُرك الأمر لمثل هؤلاء البرلمانيين، وللعديد من الوزراء، الذين يظنون بأن المشكلة إنما هي تغيير في وجهة المال، على شاكلة تغيير الحقائب من يد وزير إلى يد وزير آخر، كما يحدث في الجزائر منذ أربعة عقود.

 فالشاب البطّال، يرى بأن ما يُصرف على نجوى كرم، يكفيه لأجل دخول سوق العمل، كمتعاقد يُسخّن مقعدا في البلدية، أو يحرس مؤسسة، عدد حراسها أكبر من عمالها ومرتبه يفوق مدخول المؤسسة، وأستاذ التربية الإسلامية، الخائف على منصبه، وليس على التربية الإسلامية المفقودة في المجتمع، يرى بأن ما يُصرف على نجوى كرم من المفروض أن يُضخّ في راتبه، والإمام يرى بأن من يمنح صكا لنجوى كرم، إنما ارتكب جريمة، وهو الأحق بالمال العام، نظير صلاته “المفروضة” بالناس، وواضح أيضا بأن البرلمانيين الذين انتقدوا صرف المال العام على نجوى كرم، إنما يحاولون توقيف كل المهرجانات التي تعرفها الجزائر لأجل تحويل المال العام إلى مِنح، نظير ما يقدمونه للأمة من أفكار “نيّرة” تابعناها على المباشر، في عدة مناسبات “تثاؤب وشخير وحكايات نسوان”.

يعلم جميع النواب والجزائريون عموما، بأن أضعف ميزانية في كل سنة مالية، هي تلك التي تحرّك قطاع الثقافة، وإذا كنّا لا نختلف مع الذين يرون بأنها تضيع فعلا في “الرقص والزغاريد والبارود”، فإننا لا نرى سوى “الرقص والزغاريد والبارود” في بقية الوزارات، ويبقى الفارق أن هذه الطقوس الأخيرة، تمارس على جثث الأمل والمستقبل ومع سبق الإصرار والترصّد.

مقالات ذات صلة