الرأي

نحن لسنا الدنمارك.. ولكن!

قادة بن عمار
  • 4504
  • 7

ما قاله وزيرُ الصحة عبد الرحمن بن بوزيد بشأن مطالبة البعض بأن تكون الجزائر مثل الدنمارك على مستوى الخدمات الصحية الراقية، وبأنَّ ذلك يُعدُّ مستحيلا، حسب الوزير ذاته، هو كلامٌ واقعي ويختلف تماما عن جملة المغالطات الكثيرة وسياسة الكذب والتضليل التي كان ينتهجها سياسيون في عهد بوتفليقة، حين ردَّدوا على مسامع الجزائريين، مقارنات مستحيلة كالقول مثلا إننا “أفضل من السويد في الصحة”، وبأن “مستشفياتنا أحسن بكثير من تلك الموجودة في أمريكا”!

لكن، وبعيدا عن نيّة وزير الصحة وواقعيته، فإنّ الجزائريين لم يطلبوا منه، ولا من الحكومات المتعاقبة ولا من الوزراء الذين تداولوا على المنصب أن يكونوا مثل الدنمارك، في الصحة أو في غير الصحة، لكن الأمر لا يعني بالمقابل، أن تتحوّل مستشفياتُنا إلى مقابر ومصالح الاستعجالات إلى مآسي مفتوحة، للمرضى والموظفين على حد سواء، ولا أن تصبح الخدمات الصحية مقترنة بالرداءة على طول الخط، وكأنها قدرٌ محتوم لا مفرّ منه.

صحيح أننا لسنا الدنمارك، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نصبح الدنمارك، ليس فقط بسبب أخطاء بعض الأطباء والممرّضين وعمال شبه الطبي والموظفين فحسب، بل بسبب السياسيين والإداريين والممسكين بزمام الأمور في قطاع الصحة وغيره من القطاعات، فأن تكون بمستوى الدنمارك فأنت بحاجة إلى ديمقراطية وشفافية وإرادة سياسية ووعي شعبي بمثل ما يوجد في الدنمارك.

الأمرُ الآخر، كلام الوزير ورغم واقعيته، يتضمّن تبريرا غير مباشر لما يقع من فضائح وكوارث في قطاع الصحة، فنحن لسنا الدنمارك، صحيح، لكن ذلك لا يبرّر المستوى المتدني من الخدمات والكوارث إلى درجة تكرُّر الأخطاء الطبية بالمئات وتوالي حدوث المآسي بلا تحقيق، على غرار حريق الأطفال الرضع في مستشفى واد سوف، وصولا إلى هروب مصابٍ بوباء الكورونا مثلما حصل بالمناوبة الليلية في مستشفى بوفاريك…

نحن لسنا الدنمارك، لكن لابدّ من وضع سياسة صحِّية سليمة، وتبنِّي استراتيجية واضحة، تجعلنا لا نفقد إنسانيتنا بمجرد أن تطأ أقدامُنا أبواب أيّ مستشفى عمومي أو خاص أو حتى مركز صحِّي بسيط أو مصلحة من مصالح الاستعجالات، فمهما اختلف المستوى المعيشي والصحي بين الجزائر والدنمارك فإنَّ الكرامة الإنسانية لابد أن تكون واحدة ولا تتفاوت من بلد إلى آخر، أو حتى من مكان إلى آخر في البلد ذاته.

مقالات ذات صلة