الشروق العربي
قصص تنتهي بمآس وفضائح

نساء دمرهن الحب الأول

فاروق كداش
  • 18210
  • 9
ح.م

 الحب الأول، أو القصة التي لم تكتمل.. تلك الهفوة العابرة، والوهم السرمدي، الذي يوقظك من غفلتك.. هو الحمل الذي تحمله كل امرأة في حياتها، وتأخذه معها إلى لحدها.. حب ترتكب من أجله الحماقات، وتدمر بذكراه العلاقات… الشروق العربي، تسرد في سرية تامة قصص نساء لم ينسين الحب الأول، فهلكن حزنا وذرفن دمعا أحر من لفحات جهنم.

يحضرني في البداية قول الشاعر محمود درويش، في وصفه للحب الأول، “الحب الأول لا يموت بل يأتي الحب الحقيقي ليدفنه حيا”… ولكن، أحيانا لا يأتي الحب الحقيقي، بل يبقى الحب الأول مستيقظا، يتنفس في كل تنهيدة، ويكبر مع كل دمعة حزن…

 أول القصص التي سنهمسها في آذان العذارى، قصة إيمان، الفتاة التي عشقت شابا في الجامعة، إلى حد الثمالة، كان جارها في الحي، كانت عيناها تسافران كل يوم لتحط على نافذته التي يطل منها بسحنته السمراء الرجولية… بعد شهرين، تخرج فارس أحلامها، وجاء ليخطبها، فملكت إيمان الدنيا وما فيها… أخيرا، سترتبط بحبها الأول، ولكن لم يكن الأخير، فقد اكتشفت أنه رجل ضعيف، ينصاع إلى كل أوامر والدته، إلى درجة أنه اشترى لها سلسلة ذهبية، فطلبت منه والدته إعادتها، لأنه سبق أن اشترى لها طقم الذهب “بارور”… وكانت تفتعل المشاجرات كلما سمعت به يزورها في بيت والديها… كان حبها كبيرا، لكن صبرها ضاق، فطلبت الانفصال… إيمان بقيت وفية لهذا الحب، ورفضت كل الخطاب… في النهاية، لم تحمل اسم حبيبة، بل اسم بايرة، باسم الحب.

الحب يزورك مرتين

 مريم، بدورها، ذاقت مرارة الولع وعذاب الفراق، من حبيب كان الأول في حياتها، غير أنه لم يكلف نفسه عناء التبرير، بعد أن ضبطته مع صديقتها الخائنة… كانت قوية وحاولت نسيانه وبناء عش جديد لها، فتزوجت وأنجبت… غير أنه بعد مدة ظهر من جديد في حياتها، لم تنكر أن قلبها تحرك شوقا، وأنها حنت إلى الأيام الخوالي، غير أنها تذكرت فعلته الشنيعة، فصدته، وطلبت منه الرحيل والخروج من حياتها، غير أنه بدأ يلاحقها ويحثها على الطلاق كي يتزوجها… لن تجري وراءه، فهي الآن على ذمة رجل يحترمها ويحبها، ولو أنها لا تبادله نفس الحب.. لم يطل الأمر، فاكتشف زوجها أمرها، فتشاجرا شجارا كبيرا، ذهبت بعده غضبانة إلى بيت أهلها… ورغم كل توسلاتها ومحاولاتها لإفهامه الحقيقة، إلا أنه طلب الطلاق… وهاهو الحب الأول يذبحها مرتين.

 عندما يقتلك الحب الأول

تعرفت وهيبة على حبيبها الأول في رحلة الصيف، وتوطد حبهما في رحلة الشتاء… كان رجلا وسيما شهما مكافحا، فأحبته بجنون المراهقة وعقلانية المرأة… مرت سنتان، كانتا أحلى أيام حياتها، لكن الرحيق زال في أحد الأيام، عندما ضبطته يتجول رفقة امرأة وطفلين… لن أخبركم عن تفاصيل المواجهة، فالأمر سيطول، سأخبركم فقط أن وهيبة اكتشفت أن حبها الأول رجل متزوج ويعيل طفلين، ولم يكن ينوي الزواج بها… دخلت بعدها في حالة اكتئاب كادت تودي بحياتها العقلية، لولا تدخل الأم التي أخذتها إلى الراقي والطبيب النفسي، فتحسنت حالها، لكن ظاهرا فقط، فقد تحطم قلبها ولن ينبض من جديد.

قصة سميرة لا تختلف في نهايتها عن قصص أخرى، فقد أحبت كقريناتها شابا من حيها، وكان يبادلها نفس الشعور.. كان الحاجز الوحيد بينهما هو فقره الشديد… لم يهمها الأمر، المهم أن تكون قربه في كل ساعة ودقيقة، غير أن أمها اكتشفت العلاقة ورفضتها تماما… وعندما أخبرت سميرة حبيبها جرح في مقتل، وجن جنونه، وهددها بفضح علاقتهما.. وككل تراجيديا شكسبيرية، تناهت القصة إلى عم الفتاة، فواجه المغرم الولهان بالحقيقة، فوضع اللوم على سميرة، وادعى أنها تلاحقه وتتوسل إليه كي يتزوجها.. كانت صدمة قوية أدخلتها في موجة بكاء هستيري… لم تمر أيام حتى جاء ابن صديق والدها ليخطبها، فقبلت على الفور للهروب من هذا الشاب الوضيع.. فأحيانا الهروب أرحم من حب لا يرحم.

 كثيرة هي القصص الحزينة التي تنتهي بزواج الحبيب الأول بامرأة أخرى، وخيانته وابتعاده بعيدا، وكثيرة هي النهايات الحزينة أيضا لزيجات بطلها حب أول، أسفرت عن طلاق وتشرد أطفال… وتعج محاكمنا بقضايا تقشعر لها الأبدان، لفتيات سرقن المال والذهب من أجل الحبيب الأول، وخنّ الأمانة من أجل شخص تلقبه بعمري وحبي … وأخريات احترفن الخديعة من أجل عيون شاب لا يستحق لقب رجل.. وبقدر ما يكون الحب تكون الجريمة ويكون العقاب…

 ما الحب إلا للحبيب الآخر

 يرى الأخصائيون الاجتماعيون والنفسانيون أن الحب الأول ليس حبا حقيقيا في الكثير من الأحيان، بل حالة من التعلق لا أكثر، ويخيل إلى الشخص أنه الحب الأخير… هذا الحب يشبه حالة من الرغبة الجامحة، وينتهي في وقت معين، لأنه يرتبط بصورة غير حقيقية لفارس الأحلام.. الحب الأول يصادف قلبا خاليا من التجارب العاطفية، لذا وقعه كبير ومؤلم عند الفراق… ويوصي جل العارفين بأمور الغرام، بأن يرمى هذا الحب في حالة لم ينته بالزواج أو فشل بعد الزواج في سلة الماضي.. والوقت كفيل بتضميد الجراح، وكفانا استماعا إلى أبي التمام حين يقول: ما الحب إلا للحبيب الأول، ولنجعل فلسفتنا شعر العلوي الأصفهاني.. “دع حب أول من كلفت بحبه ما الحب إلا للحبيب الآخر”.

مقالات ذات صلة