الرأي

نعيش لنأكل

السؤال الفلسفي القديم، الذي أتعب فلاسفة العصور السابقة: نأكل لنعيش أم نعيش لنأكل؟ يبدو أن الجزائريين قد وجدوا الإجابة عنه، ليس شفهيا، وإنما بالفعل، الذي يبدأ في استيراد الطعام بأموال خيالية، لتبدأ عملية الهضم، مقابل شلل بقية الأعضاء عن العمل، فمصالح السجل التجاري أحصت وجود ألف وأربعمائة مستورد كبير، للمواد الغذائية الجاهزة، التي تنتقل من الحاوية المسافرة من قارات الدنيا الخمس مباشرة إلى الجهاز الهضمي للفرد الجزائري، ولا يزيد عدد مستوردي المواد الغذائية التي تتطلب بعض الجهد مثل التعليب عن مائة مستورد، كما أن فاتورة الغذاء في النصف الأول من عام 2014 قد فاقت الخمسة ملايير أورو، وهو رقم يبرهن بأن الدولة والشعب أجابوا عن سؤال العيش والأكل بأرقام لا تحتاج إلى أي تأويل أو فلسفة.

في تبسة قدمت الدولة قروضا لشباب المنطقة التي كانت تصدر المشمش والبرقوق إلى أوربا من أجل اقتناء جرارات فلاحية، فقاموا ببيعها إلى التونسيين، وهرّبوا بأموالها “الشامية والسباغيتي”، وقدمت قروضا لبعض شباب مغنية التي كانت تصدّر اللوز والجوز من جبال “دفلن ورأس العصفور”، فاختاروا كما يفعل كبار المستوردين في الجزائر، التجارة في المأكولات سهلة الهضم والمشروبات التي تزيد من شراهة الآكل.

وعندما يصبح أعيان البلاد من الذين يستوردون العجائن والزيوت والسكر والقهوة للشعب، فمعنى ذلك أن الوطن يتم جرّه إلى الاستعباد من خلال بطنه، وإذا كان هذا هو حالنا في زمن الرفاهية وغيث البترول، فإن الأمور ستكون أكثر تعقيدا في حالة حدوث أزمة اقتصادية لا قدّر الله.

السلطة لم تقدم أي مشروع كبير يمنح الجزائري الحرية، وينقله إلى عالم آخر يجعله يأكل، من أجل أن يعيش بقية عوالمه، مثل بقية شعوب العالم، فصار أمل الجزائري أن يفتح دكانا لبيع المواد الغذائية أو مطعما للأكلات الخفيفة أو مقهى، فاختصرت الحياة في الواردات، التي تتركز على المواد الغذائية فقط.

مصالح السجل التجاري والمؤسسات الشبابية الصغيرة والكبيرة وموانئ الجزائر، ما صار لها من عمل سوى الانشغال بهذا الجيش المستورد للمواد الغذائية، وحتى دول العالم التي تشارك باستمرار في معرض الجزائر الدولي، صارت تتنافس من أجل أن تجد لها مكانا في الجهاز الهضمي للجزائري، ولا يهم إن أصابته بالتخمة أو بالسكري أو أماتته من الأكل، ما دام الغذاء هو شعار الدولة والشعب معا.

لقد تحوّلت الحمى القلاعية، التي فتكت بالأبقار في الجزائر، إلى كارثة وطنية أصابت المواطنين والسلطة بالحمى غير القلاعية، لأنها أصابت الحليب واللحوم، وباشرت الدولة استيراد اللقاحات من كندا ومن أستراليا، وفتكت مختلف السياسات التي جُرّبت في الجزائر بالبشر، ومع ذلك لا تصيب الناس بأي نوع من الحمى لأنها أصابت العقول ولم تصب الحليب واللحوم وبالمختصر المفيد الجهاز الهضمي، الذي يوجد ألف وأربعمائة مستورد يحرقون أكثر من عشرة ملايير دولار لأجل تفجير شهيته. 

مقالات ذات صلة