الرأي

نهاية حلم؟

بنى الجزائريون على مدار الأيام الأخيرة، ناطحات سحاب من الأحلام، شيّدوا أسوارها من حطام منتخب ألمانيا، الذي يمتلك ثلاث كؤوس عالمية ويعتبر الأكثر شراسة في المنافسة على الألقاب والكؤوس، وأحاطوا هذا البنيان بحدائق مغروسة على أرض فرنسية، ومنهم من زيّن هذا البنيان بكأس عالمية، إلى أن أيقظ الألمان في الوقت الإضافي، كل الحالمين في سهرة رمضانية، من المفروض أن تردّنا إلى الواقع، وتذكرنا بأن الألمان لم يحققوا في تاريخهم ثلاثة ألقاب عالمية ومشاركات في كل الكؤوس العالمية باستثناء دورة 1950 التي تزامنت مع مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية فقط، وإنما هم قوّة علمية واقتصادية وطبية عالمية كبرى، يكاد يكون تفوق منتخبهم الكروي ثمرة من ثمار هذا المجتمع القوي، الذي لا يكاد يخوض حرب بقاء في أي مجال حياتي إلا وانتصر فيها.

وعلى الجزائريين أن يرجعوا الآن إلى البناء الحقيقي، ليس بالأحلام، وإنما بالواقع، مقتنعين بأن ما حققه منتخب بلادهم، هو خطوة مهمة ضمن كبار المعمورة، إن أكدّها في المنافسات القادمة، فقد ارتقى المنتخب الجزائري ضمن تصنيفات الاتحاد الدولي للعبة إلى المركز الأول قاريا، وعليه المحافظة على مكانته القارية، لأن الجزائر جربت عام 1982 الفوز على ألمانيا، فعادت بخفي حنين، وانطفأ بريقها نهائيا، بينما سيطرت ألمانيا منذ تلك النتيجة السلبية على المنافسة الكروية أوروبيا وعالميا، وها هي الآن تجرّب الهزيمة أمام ألمانيا، وعليها أن تولّد من أزمتها همّة، خاصة أنها صمدت أكثر من تسعين دقيقة، وتعود في المنافسات القادمة بأكثر قوة وإصرار على تقديم الأحسن، وتعرف بأن ما بلغته ألمانيا أو هولندا من رقيّ في عالم الكرة، إنما تحقق بعد عقود من البذل المادي والمعنوي، ليس باحترافية لاعبي الكرة، وإنما بمنظومة رياضية واجتماعية وعلمية كاملة، مكّنت الألمان من تجاوز كل الحواجز، عندما فشلت بقية الأمم.

فقد غادرت إسبانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال وإنجلترا كأس العالم في الدور الأول، وكلها تملك ألقابا وكؤوسا قارية أو عالمية، ولكن ألمانيا بقيت في البرازيل، لأنها تختلف عن بقية الأمم التي هزتها الأزمة الاقتصادية، فاتضح أن منظومتها مبنية على أساس خاطئ، عكس ما هو حاصل في ألمانيا.

 

بلوغ منافسة كأس العالم التي تصنع الحدث في كل البلدان، ضمن الخمسة الكبار في إفريقيا هو إنجاز، وتجاوز الدور الأول وبلوغ الدور السادس عشر ضمن كبار العالم هو أيضا إنجاز، ولكن الإنجاز الأكبر والأهم هو أن يقتنع الجزائري بأنه قادر على المنافسة قاريا وعالميا في كل المجالات، وقد تأكد مساء أمس من ذلك، ويسعى لذلك على الأقل بالاهتمام، كما حصل مع كرة القدم التي شغلته هذه الصائفة عن عمله، وحتى عن صلاة التراويح، وعندها سيكون الجزائري سعيدا في حياته ووطني في تعاملاته، ولا ينتظر سنوات طوالا، لأجل أن يحقق منتخب الكرة انتصارا يمارس عبره وطنيته المحنّطة، وفرحته التي أعطاها شكلا كرويا، وغابت عن بقية الأشكال والألوان.

مقالات ذات صلة