-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نهاية منطق الغرب المنتصِر دوما

نهاية منطق الغرب المنتصِر دوما

لقد فرض الغرب المُنتَصِر في الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي منطقه. وعانت الشعوب المُستَضعَفة من هيمنته، وتَمكَّن من تعميق الهوة بينه وبين مختلف الشعوب في مختلف المجالات، العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لم يعد هناك مجالٌ للمقارنة بين مستوى معيشة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع بقية العالم.
وبدل أن يتم إرساء قواعد تعاون تُحقِّق المصالح المتبادلة بين الشمال والجنوب، تم تكريس أنماط التبعية المختلفة، واستمرّ نهب ما عُرِف بـ”العالم الثالث” بوتيرة متسارعة، وانتقل النهب اليوم إلى مستوى آخر غير مسبوق.. كُلَّما تَشَكَّلت لدى الدول الفقيرة نُخبة في أي مجال من المجالات إلا وتم استقطابها بوسيلة أو أخرى، فهاجرت طوعا أو كرها، لِتزيد الأغنياء غنى وتترك شعوبها الفقيرة تتخبَّط في مشكلات أكثر تعقيدا.. وبلا أسف يتم اعتبار هذا “حرية تنقّل”، وما هي في الواقع سوى انتقاء مدروس للكفاءات البشرية الصاعدة لدى كافة الدول وفي مختلف التخصصات. وبات هذا أكثر أشكال الاستغلال بشاعة، يفوق بكثير استغلال الثروات الباطنية الخام ونهبها بلا حدود…
فقط هي دولة واحدة من دول العالم الثالث التي استطاعت تغيير المعادلة إلى حد الآن وبشكل جذري حتى كادت تقلّب موازين الصراع الدولي، وهي الآن على عتبة تغيير قواعد النظام الدولي الظالمة، ووضع البشرية على عتبة قرن جديد. هذه القوة هي الصين. تَمكَّنت سياساتها المُتتابعة من التغلب على كافة المناورات الغربية لمنعها من أن تتحول إلى قوة عالمية، وخرجت إلى غير رجعة من نطاق الهيمنة الاستعمارية السابقة. ومن غير أن تتخلى عن تقاليدها ولا ثقافتها، ومن غير أن تتبنى الليبرالية كأيديولوجية للرأسمالية، ولا الديمقراطية كنظام سياسي بديل لنظامها الاشتراكي على الطريقة الصينية. أصبحت اليوم نموذجا.. ولم تتردَّد قوى دولية أخرى على الحذو حذوها للتَّخلص من الأنموذج الغربي المهيمن وعلى رأسها روسيا بنظريتها السياسية الرابعة، الرافضة لتقليد الأسلوب الغربي في مختلف مناحي الحياة. وتَحلَّقت من حول الصين وروسيا قوى دولية أخرى قريبة منهما فيما أصبح يُعرَف بمجموعة “البريكس”، أي البرازيل والهند وجنوب افريقيا، وباتت قوى أخرى تتطلع إلى الالتحاق بهذه المجموعة حتى تَخرج من دائرة الهيمنة الغربية، ومنها العديد من البلاد العربية والإفريقية وفي آسيا وأمريكا اللاتينية. ولم تعد الغاية هذه ببعيدة، وها هي اليوم الخُطى تتسارع نحوها، في ظل محاولات عديدة لكبح مثل هذا التَقدُّمٍ.
ويبدو أن الغربيين فقدوا السيطرة اليوم على زمام الأمور، وما المحاولات الأخيرة لمنع العالم من أن يتشكل بصورة جديدة إلا محاولات لتأخير الموعد، ليس إلا. لقد فات الأوان على منع التغيير القادم. لأننا نعيش اليوم بداياته الفعلية لا النظرية، والأحلام تتحول إلى حقائق على أرض الواقع. ولذلك فإننا نتوقع أن يُسارع الغربيون المتقهقرون، إلى مزيد من إشعال نيران الصِّراعات والحروب هنا وهناك، لِيُمدِّدوا في عمر هيمنتهم قليلا… وكما تمت تهيئة الظروف لإشعال الحرب بين روسيا وأوكرانيا، يتم التمهيد حاليا لإشعالها في “تايوان” وبين بعض الدول الإفريقية، وفي الشرق الأوسط، لعلهم يستدركون بعض ما فات.. ولكن هيهات، لقد بات وعي بقية شعوب العالم أكبر من أن يَنجَرَّ إلى مثل هذه الفِتن، وإن دُفِع إليها دفعًا، فليست الهزيمة أمام المشروع الغربي هي ما ينتظرنا، بل النصر الأكيد. وتلك الأيام نداولها بين الناس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!