الرأي

نواب البلطَجة يحتالون على القانون!

حسين لقرع
  • 1240
  • 4
ح.م

لم يسبق أن انحدر مستوى نواب المجلس الشعبي الوطني طيلة 56 سنة من الاستقلال إلى مثل هذا المستوى المتدنّي الذي حوّل البلد إلى أضحوكة لوسائل الإعلام العالمية، لم يسبق لنواب أي برلمان في العالم أن أغلقوا أبوابه بالسلاسل والأقفال لمنع رئيسه من الدخول وإجباره على الرحيل، قبل أن يجتمعوا ليزعموا أن هناك شغورا في منصبه ويفتحوا المجال للترشيحات لخلافته، في حين أن هذا الرئيس ما زال حيا يُرزق ولم يستقِل أيضاً وهو ليس في حالة عجز مرضي ولا تنافي بين وظائفه، وهي الحالات الأربع لشغور المنصب كما ينصّ القانون.

الخطير في الموضوع هو أن نواب لجنة الشؤون القانونية الذين اجتمعوا لبحث مسألة “شغور” منصب رئيس البرلمان، اهتدوا بعد تفكير “عميق” وأخذٍ وردّ، إلى تقديم تفسيرٍ عجيب وغير مسبوق لمفهوم “العجز”، فقالوا إن الرئيس “عاجزٌ” عن أداء مهامه ما دام قد “عجز” عن التجاوب مع مطلب النواب بتقديم استقالته، وصادق 25 نائبا باللجنة على هذه المهزلة وخرجوا إلى الصحافة فرحين ليكشفوا للجزائريين نتيجةَ هذا “الاجتهاد” منقطع النظير، والذي تجاوز كل ما هو متعارف عليه في كليات القانون والعلوم السياسية في العالم بأسره، أليست هذه مهزلة أخرى تُضحِك علينا العالم؟!

بهذا المنطق العجيب يمكن لأيّ موظفين بأي مؤسسة أو هيئة تنفيذ انقلابٍ سافر على مديرهم أو مسؤولهم وطرده من مكتبه وغلق باب المؤسسة أو الإدارة بالسلاسل والأقفال في وجهه، ثم الإعلان أنه “عاجزٌ” عن العمل، لأنه “عاجزٌ” عن التجاوب مع مطالبتهم له بالرحيل!

ثم إن هذه الطريقة البلطجية في معالجة خلافٍ داخلي ستشجّع المواطنين في شتى أنحاء البلد على الانتقال من غلق الطرقات بالمتاريس والحجارة والعجلات المطاطية إلى غلق الإدارات بالسلاسل والأقفال إلى حين تحقيق مطالبهم، وحينما يواجههم الأمن ويحاول فتحَها مجددا للخدمة العمومية، سيتحجّج المواطنون بأنهم يقتدون بالنواب الذين نفذوا انقلابا على بوحجة بالسلاسل والأقفال، ثم أضفوا عليه طابعا قانونيا هزليا.

من المؤسف أن البلاد تغرق في أزمة متعددة الأوجه والأبعاد وضعتها على حافة الإفلاس لولا لطف الله، وأن يستفحل الفساد ويتغوّل إلى درجة دخول الكوكايين بالقناطير، وتغرق مدنُنا وتجمّعاتنا السكانية بعد هطول الأمطار لمدة ربع ساعة فقط بسبب الغش في الإنجاز، ويغامر شبانُنا وشاباتنا بأرواحهم في قوارب الموت في عرض البحر للهروب من وضع البلد، وتتفاقم مشكلاتُ البطالة والفقر وتراجع القدرة الشرائية… لكن نواب البلطجة والسلاسل والتفسير الاحتيالي لمواد القانون لا يرون كل ذلك ولا يكترثون به ولا ينظّمون حتى أياما دراسية لتشريح الوضع ومحاولة تقديم اقتراحات وحلول، فضلا عن استجواب الحكومة ومساءلة الوزراء عن سرّ تفاقم هذه الكوارث وغيرِها، لكنهم يقيمون الدنيا ولم يُقعِدوها بسبب مشكلٍ داخلي مع رئيسهم، ويثورون عليه بشكل كاريكاتوري يحوّل البلد إلى مهزلة أمام العالم، وبعد ذلك يتساءل هؤلاء الانتهازيون عن سرّ كره الشعب لهم وزهده في الانتخابات؟

ما حدث في المجلس الشعبي الوطني في الأيام الأخيرة سيبقى وصمة عار تلاحق نوائبَ الموالاة ونائباتِه؛ فقد جمعوا بين البلطجة والأساليب المافيوية والاحتيال الصارخ على القانون وليِّ عنقه لمصلحة الأقوى، ولن يمحو هذه المهزلة سوى إقدام رئيس الجمهورية على حلّ المجلس والدعوة إلى انتخاباتٍ تشريعية مسبقة، وإن كان الأمل في هذه الخطوة ضعيفا.

مقالات ذات صلة