الرأي

نويل في المولد

عمار يزلي
  • 4957
  • 0
الارشيف

تصادف هذه السنة، سنة الأزمات والحروب والتأهب العالمي لمحاربة “الإرهاب” والتطرف الإسلامي، بتطرف غربي لا يقل ضراوة، تصادف أن اقترن مولد المسيح عليه السلام بالمولد النبوي الشريف. هذا الاقتران، يبدو وكأنه يقول للمتطرفين من الجانبين أن إلهكم واحد وربكم أحد صمد وأنبياؤه للعالمين جاؤوا بدين ورسالة واحدة “ما قيل لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك”. اقتران يؤكد أن الإنسان لا يزال يعيش مرحلته الحيوانية، وأنه لا يزال لم يسم بعد، عبر التسامح والمحبة والعدالة ومكارم الأخلاق، وأن الدين بريء من هذه الوحشية في الاقتتال ومحاربة الغير باسم “الغيرية” والهويات المصطنعة والانتماءات المزيفة. هذه رسالة وعبرة لكل من يريد أن يعتبر، لكن العبرة لن تجد طريقها مع الأسف للآذان غير الصاغية ولا العقول الجافة ولا القلوب القاسية.

فحتى احتفالاتنا بالمولد النبوي الشريف، وحتى احتفالاتهم بميلاد المسيح، أخذت أشكالا بدعية ما أنزل الله بها من سلطان: احتفالات مادية غرائزية تنحدر بالإنسان نحو هاوية “الأنسوت” عوض أن تسمو به إلى علا الملكوت .

نمت لأجد نفسي أنا المسلم بالتسمية واسمي محمد، أشرع بداية من الأمس، من التحضير لاحتفال بالمولد النبوي الشريف من خلال شراء ما قيمة إطعام ستين فقيرا جزائريا وتحرير 11 رقبة إفريقية وتحرير قطعة أرض لبناء مسجد، أنفقها في شراء مفرقعات لا يقل شؤمها عن قنبلة يدوية! أوزعها على الأطفال ليفرحوا من خلال هذه القنابل بالمولد النبوي! كما قمت بشراء ما لذ ولم يطب، لعشاء مع الأصدقاء، وسهرنا ليلة المولد إلى غاية الفجر على الدومينو والبوكير والدخان (والبعض على الزطلة والكيف ودعاوي الشر) أحد الأصدقاء سألني: ما كانش الروج؟ قلت له: الروج في المولد؟! ماذا تقول؟ قال لي: وعلاه حرام؟ قلت له: .. وفي المولد؟ خلي حتى نهار الريفيون ودير اللي بغيت.

لم يكن فينا أحد يفرق بين “كوعو من بوعو”! الكل بات يحكي عن “لا بيش دي نويل” و”السابان دين نويل” وما سيقتنيه من لعب بهذه “المناصبة” بما فيه لباس “بابا نويل”، وتنظيف المدخنة التي على بابا نويل ألدخول منها! (بابا نويل، مثل الاستعمار، يطرد من الباب، يدخل من “الشيميني”) لتقديم هداياه لأطفاله الذين تربوا على هذه “العقـ (يـ) دة”. قلت له: الريفيون داكور، بصح النويل، حرام! قال لي: أنا مسلم كيفك واسمي حتى أنا محمد، أنت تصلي بالاك وتصوم، أنا عندي اللي حرام في الإسلام هو فقط لحم الحلوف! آه! الحرام ما ناكلهش! الحلوف، حرام خنشوش حلوف! وعلاه أحنا خير منهم؟ هما راهم خير منا، وعلاش ما نديروش كيفهم؟

بقينا لساعات نتجاذب أطراف الحديث من هنا وهناك وكل يدلي بدوله الفارغ ويخرجه فارغا بلا ماء لفراغ المخ من العقل! واحد فقط بقي ساكتا دهرا لينطق فكرا: أعطوكم القشور وأخذوا اللب! نهشوا اللحم وأعطوكم العظم تكددوا! تعرفون من هو الذي يكدد؟ نحن في نفس الوضعية مع الغرب! يحتلون بلداننا ويخدروننا ويصدرون لنا سرابهم وأفكارهم ونمط استهلاكهم الحيواني واحتفالاتهم الفاسدة باسم التحضر! يحتقرونكم في داخلهم ويرون فيكم قردة مقلدة تأكل الموز، ويشار إليكم بالبنان (الوسطى)! لو كنا مسلمين، لما وصلنا إلى هذا الحضيض.

 سكت قبل أن يقول له الجميع: باراك الله فيك! راك معروض معنا نهار الريفيون! نسهروا حتى نموتوا!

وأفيق، لأفهم بأننا مازلنا ما نفيقوا!

مقالات ذات صلة