-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نيرانُ الأحقاد أخطر من حرائق الغابات

حسين لقرع
  • 1176
  • 0
نيرانُ الأحقاد أخطر من حرائق الغابات

بدأت نيرانُ الغابات المشتعلة في منطقة القبائل وبقيّة ولايات الوطن تتراجع، وبعد أيام ستخبو تماما كما حدث في السنوات الماضية، وسيُعوَّض المواطنون على ممتلكاتهم وتُطوى الصفحة إلى غاية الصيف المقبل على الأقل، لكنَّ من الصعب جدا مكافحةَ نيران الأحقاد والكراهية وإطفاءَها في النفوس؛ فهي تزداد اشتعالا ولهيبا بمرور الوقت حتى تُعمي البصيرة تماما وتُطفئ نور العقل والحكمة ثم تنفجر في وقتٍ ما، على شكل موجات عنف همجي قلّ نظيرُه مثلما رأينا في جريمة قتل الشاب جمال بن إسماعيل في الأربعاء ناث إيراثن.

في هذه الجريمة، أقدم عشرات العنصريين الحاقدين على تجاوز العدالة وتطبيق قانون الغاب بشكل بدائيٍّ متوحّش لم تشهد له البلاد مثيلا في تاريخها، إذ نكّلوا بشاب بريء قدِم إلى المنطقة لمساعدة سكانها بدافع النخوة والروح الإنسانية والوطنية، وقطعوا ذراعه ورجله اليُمنيين، ثم أحرقوه وفصلوا رأسه عن جسده في مشهدٍ مروِّع فاق ما ترتكبه داعش من جرائم، وردّد بعضُهم شعاراتٍ عنصرية بغيضة بحقّ العرب ولم يتردّدوا في بثّ المشهد الهمجي في مواقع التواصل الاجتماعي والتقاط الصور التذكارية (السِّلفيات) مع جثمان الشاب المغدور به إمعانا في التلذّذ بالجريمة البشعة، وهو أمرٌ ينبغي أن يقلق الجزائريين جميعا لأنّه دليلٌ قاطع على أنّ خطاب وحدة الجزائريين وتضامنهم وتآزرهم وتآخيهم قد تراجع بحدّة أمام خطاب الكراهية والعنصرية الذي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة وانتشر بسرعة كالنار في الهشيم وبدأ يخلق عداوات وأحقادا بين أبناء الوطن الواحد، وما الجريمة الوحشية الأخيرة إلا إحدى ثماره المريرة.

صحيحٌ أنّ الجريمة ارتكبها عشراتٌ من سكان الأربعاء ناث إيراثن تحديدا، وهم لا يمثلون القبائل جميعا ولا حتى بقيّة سكان هذه البلدية، ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى، المسألة واضحة ولا لبس فيها، لكنّ ما نودّ التركيز عليه تحديدا هو التحذير من خطاب الكراهية والعنصرية الذي يضخُّه باستمرار بعضُ المتطرفين العنصريين والانفصاليين في منطقة القبائل وانتشر فيها بشكل مخيف في السنوات الأخيرة حتى أصبحت مواقع التواصل تعجّ بتعليقات تنضح كراهية للعرب واللغة العربية ولم يسلم منها حتى الإسلام من خلال تجريم الفتوحات الإسلامية واعتبارها “احتلالا” ينبغي أن ينتهي بطرد أحفاد الفاتحين العرب من الجزائر.. مثل هذا الخطاب العنصري العِرقي التحريضي ينبغي أن يتوقف ويختفي، لأنه يولّد موجة كراهية مضادّة لدى الجزائريين العرب وحتى لدى بقيّة أمازيغ الوطن الذين لا يوافقون على تحقير لغة القرآن الكريم وتجريم الفتوحات التي جلبت لهم نعمة الإسلام، وقد رأينا تداعياتها من خلال خطابٍ مضادّ يسيء إلى القبائل ويُطلق عليهم أوصافا نابية ويتّهمهم بالعمالة لفرنسا… وهو خطابٌ نندّد به بدوره وندعو إلى إيقافه فورا حرصا على درء الفتنة ورأب الصدع.

لا ريب أنّ القبض على عشرات القتلة المتعصِّبين الذين شاركوا في جريمة تعذيب الشاب إسماعيل وبتر أعضائه وحرقه في ناث إيراثن وتقديمهم إلى القضاء ومحاكمتهم جميعا لينالوا جزاءهم، هو أمرٌ ضروريٌّ جدا لتهدئة النفوس والخواطر، وينبغي أن تعجِّل به السلطة، ولكنَّ الأهمَّ من ذلك هو ضرورة التصدّي لخطاب الكراهية والتحريض العنصري المتفشي ومحاربته بلا هوادة وعدم ترك الميدان للمتعصبين ليواصلوا نفث سمومهم ونشر أحقادهم وكراهيتهم في نفوس الأجيال، وإلا فإن جريمة ناث إيراثن قد تتكرر في أماكن أخرى بشكل قد يفجّر عنفا عرقيا يهدد وحدة الوطن، فيا عقلاء المنطقة وأعيانها: تحرَّكوا قبل فوات الأوان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!