جواهر
أم كلثوم بنت عقبة صرخة صادقة أجابها الوحي

هاجرت وحيدة إلى المدينة وتزوجت أربعة من الصحابة

جواهر الشروق
  • 15379
  • 33
ح.م

جاءت رسالة خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام؛ صلة بين الخلق والحق، فطوت السهوب والجدوب وبلغت الوهاد والنجاد، فاستنارت بنورها بصائر المتبصرين، ومدوا خطى السبق في نصرتها، وبقيت مسيراتهم خير ميراث تثب به همم المسلمين إلى يوم الدين.

فهلمّ بنا نعود إلى حياة إحدى واريات الزّناد لننهل من عظيم حكمتها، ونتعلم من جزيل ورعها، وقوة ثباتها، إنها الصحابية الجليلة أم كلثوم بنت عقبة، وأخت خليفة المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عليه من الأم، هذه الفتاة الغضة التي أنقذتها بصيرتها من براثن جهالة وكفر نشأت فيهما مع أهلها، حتى أن والدها عقبة بن أبي معيط كان من أئمة الكفر ومات على ضلالته، فسبحان من يخرج الحي من الميت.

بضمير حي ولب شاهد، اهتدت إلى الحق لتنضم إلى قافلة الإيمان، فأسلمت لله وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ظروفها مع أهلها الكفار، حالت دون هجرتها مع المسلمين، ولم يتسن لها الالتحاق بهم إلا في السنة السابعة.

فبعد صلح الحديبية خرجت من مكة المكرمة وحيدة فارة بدينها وهي شابة بكر،  فقاد الله إليها رجلا تقيا من خزاعة، أوردها المدينة ببعيره، حتى وصلت ونزلت ضيفة على أم سلمة رضي الله عنها، وفي اليوم الموالي جاء أخواها الوليد وعمارة يسألان عنها، وطلبا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهما، حسب ما اتفق عليه مع قريش في صلح الحديبية فقالت: إني فررت إليك بديني، فامنعني ولا تردني إليهم يفتنونني ويعذبونني ولا صبر لي على العذاب، إنما أنا امرأة وضعف النساء إلى ما تعرف.*

 فكان الجواب على صرخة هذه الفتاة المباركة من فوق سبع سموات وحيا، رد طالبيها على أعقابهما خائبين، بعدما رفض الرسول صلى الله عليه وسلم تسليمها عملا بقوله تعالى:  

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ” الممتحنة 10

وعاشت أم كلثوم رضي الله عنها في المدينة المنورة بين المسلمين، بعد تلك الهجرة المخلدة، وأكرمها الله بالزواج من أربعة من الصحابة الكرام، كان أولهم زيد بن حارثة وأنجبت منه زيدا ورقية، وبعد استشهاده في غزوة مؤتة، تزوجها الزبير بن العوام فأنجبت منه زينب ثم انفصلا، لتتزوج بعدها من عبد الرحمان بن عوف، وأنجبت منه ولدين هما إبراهيم وحميد، وبعد وفاته تزوجها الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعا.

وظلت رضي الله عنها، تتعايش بقلبها وجوارحها مع كتاب الله وسنة نبيه الكريم، وتزرع بذور الإيمان والتقوى في أبنائها إلى أن انقضى أجلها، وفاضت روحها إلى بارئها، وكان ذلك في خلافة علي كرم الله وجهه سنة 40 للهجرة، فرضي الله عنها وأرضاها وجعل الفردوس مثواها.

التهميش:

*صفة الصفوة لابن الجوزي 361-362

مقالات ذات صلة