الجزائر
شُيّع في جنازة جمعت سياسيين ومشايخ ومواطنين

هذا الدعاء أبكى الجميع في تكريم “الشروق” للشيخ قاهر

الشروق أونلاين
  • 16540
  • 4
الشروق

ووري الثرى عقب صلاة الجمعة، جثمان الفقيد الشيخ العلامة محمد الشريف قاهر، عن عمر يناهز 83 سنة، بمقبرة سيدي نعمان ببوزريعة، وسط حضور غفير للمواطنين والعلماء والدعاة يتقدمهم الشيخ العلامة الطاهر ايت علجت، كما حضر الجنازة بعض الرسميين على غرار وزير الشؤون الدينية محمد عيسى ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى أبو عبد الله غلام الله.

وفي جو جنائزي مهيب طبعه الحزن والأسى لفقدان أحد مشايخ الجزائر وعلمائها ممن وهبوا حياتهم لخدمة العلم وإصلاح المجتمع وغرس قيم الدين الإسلامي الصحيح لدى العامة، وفي جنازة مهيبة حضرها المئات من رفاق دربه وتلامذته وكل من عرفه، حيث أثنوا على خصال الشيخ الذي أفنى حياته من أجل بناء مجتمع مسلم يؤمن بالإسلام الوسطي وغرس الأخلاق الحميدة.   

ورافع الجمع سواء ممن تتلمذوا على يديه أو المواطنين الذين لطالما حضروا مواعظه والدروس، بأخلاقه الحميدة وسعة صدره وغزارة علمه، مشيرين أن الجزائر فقدت عالما جليلا.

وبدا رفيق دربه وأستاذه الشيخ العلامة الطاهر ايت علجت الذي دخل ممسكا وزير الشؤون الدينية والأوقاف إلى المقبرة، أكثر المتأثرين بوفاة صديقه وتلميذه، حتى انه أجهش بالبكاء لقوى الصدمة من لوعة فراق الصديق والرفيق.

وأجمع الحضور أن الجزائر فقدت شخصية فذة وعالما عظيما بحجم العلامة الشيخ قاهر الذي قدم الكثير للجزائر سواء في مجال الموعظة، حين كان إماما ومسيرته الطويلة في مجال التأليف والدعوة إلى الله، وفي ذات الصدد نوه محدثونا بخصال العلامة الراحل، مؤكدين على أن الرجل وهب حياته لخدمة الوطن والفكر الإسلامي، مشيرين انه كانت له الإسهامات التي تدعو إلى الإسلام السمح.

ونوه وزير الشؤون الدينية، في الكلمة التي ألقاها قبيل صلاة الجمعة بمسجد خالد بن لوليد بزغارة ببوزريعة، بخصال ومناقب فقيد الجزائر الذي تتلمذ على أيدي شيوخ كبار في جامع الزيتونة وإسهاماته الكبيرة في سبيل الدعوى إلى الإسلام المعتدل والدفاع عن المرجعية الدينية.

وشهت الجنازة حضور رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بوعبد الله غلام الله، فضلا عن مشاركة بعض الشخصيات السياسية على غرار رئيس الحكومة الأسبق عبد العزيز بلخادم الذي شارك مراسيم مواساة عائلة الفقيد معتبرا رحيل العلامة بمثابة خسارة كبيرة للجزائر، ناهيك عن حضور رئيس حركة مجتمع السلم الأسبق أبو جرة سلطاني ورئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عبد الرزاق قسوم وأعضاء بارزين بها.

 

الشيخ قاهر في كلمة خالدة لدى تكريم “الشروق” له:

اللهم أكرمني كما أكرمتني “الشروق” في كِبري

كرمت مؤسسة “الشروق” فضيلة الشيخ العلاّمة محمّد شريف قاهر رحمه الله منتصف شهر جويلية عام 2014، بحضور جمع غفير من أصدقائه وتلامذته ومحبيه.

وعند تناول الشيخ محمّد الشريف قاهر الكلمة في هذه الاحتفالية التكريمية، أبدى بكلّ تواضع شكره وثناءه على من تدخّلوا للحديث عنه، داعيا الله عزّ وجل أن يجعله “خيرا مما يظنون، ولا يؤاخذه بما يقولون، وأن يغفر له ما لا يعلمون” وذلك اقتداء منه بما جاء في الأثر، كمــا تمنّى أن يجد التكريم الأكبر بين يدي العظيم جلّ جلاله غدا يوم القيامة، مستأنسا بقول بعض العلماء إنّ الله لا يهين من أكرمَ على كبره راجيا أن يكون تكريمه أيضا في هذا السبيل قائلا “اللهم أكرمني كما كرّمتني الشروق في كِبري..”

وحضر التكريمية وقتها جمعٌ غفير من العلماء وطلبة العلم وتلاميذ الشيخ محمّد شريف قاهر وممثّلون عن المجلس الإسلامي الأعلى وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبعض الزوايا الجزائرية مع دكاترة من جامعة الجزائر، وتقدّم الجمعَ الكريم فضيلة الشيخ العلاّمة محمّد طاهر آيت علجت الذي كُرّم إلى جانب مسؤولي “الشروق اليومي” ومنهم مستشار المؤسسة الإعلامي علي ذراع، الشيخ قاهر بمنحه برنوس الشروق ودرع استحقاق، عربونا من المؤسسة لما يقدّمه من خدماتٍ جليلة في سبيل النّهوض بالوعي الإسلامي والحفاظ على الهوّية الوطنية وترسيخ المفاهيم الشرعية الحقّة والذود عن اللغة العربية ومكانتها في الجزائر، فضلا عن استماتته في الدّفاع عن البلاد وسيادتها ورفض كل محاولات العدوان على تاريخها وثقافتها.

 

سعة في الإطلاع ومرونة في الأفكار

وألقِيتْ أثناء التكريمية التي نظّمت بمقّر “الشروق” بالمركز الدّولي للصحافة عددٌ من الكلمــات التي ذكّرت بالخصال الحميدة التي عُرف بها الفقيد، سواء منها ما تعلّق بسِعة إطِّلاعه وعلمه في العديد من الفنون الشرعية والإنسانية كالفقه والأصول والحديث والعربية والتّاريخ.. أو ما تعلّق بمرونة أفكاره لما عُرف به من مَلكة علمية دقيقة جعلته، حسب تدخّلات الحضور، يحاول دائما التوفيق بين التأصيل الشرعي الصحيح ومستجدّات الواقع المعاصر بما يجعل الفتوى “توقيعا عن ربّ العالمين”، كما تطرّق الحاضرون الذين يعدّ أكثرهم ممن عُرفوا بعلاقاتٍ وطيدة بالشيخ -تعليما أو تعلّما أو صداقة – إلى العديد من الجوانب الإيجابية في حياة الشيخ قاهر والتي تجّلّت، حسبهم، في دماثة ونبل أخلاقه الحميدة في معاملاته اليومية التي تتميّز بالحكمة والرزانة والهدوء مع الصرامة والغضب إذا ما كان الأمر متعلّقا بانتهاك حدود الله ومحارمه، وعدّد المشاركون المقرّبون من الشيخ المواقف المشرقة له والتي كانوا شهودا عليها في الصدع بكلمة الحق.

 

الشيخ الميسِّر

وكان الشيخ رحمه الله ييسّر على النّاس بما يوافق الشارع الحكيم، كما امتدحه تلاميذُه بما تحمّله من مسؤوليات في سبيل خدمة دين الله، وكيف حفّزهم بحسن كلامه وسيرته وتوجيهاته القيّمة على التمسّك بالوظائف التي حدّدها لهم من أجل النّهوض بالزوايا وإعمارها بذكر الله وكلمة الحق وتعاليم الدّين ونشر العلوم المفيدة بين النّاس، كمــا لم يُخفِ البعض من الحضور إعجابَه الكبير ببعض الأمور التي جعلت الشيخ يرقى في أعينهم لما رأوا عليه من علامات صلاح واستجابة، فضلا عن أسلوب المزاح الذي كان دائما ما يجعله كالملح في الطعام من أجل أن يبشّ على مجالسه ومحدّثيه.

 

الشيخ محمد شريف قاهر

المجاهد الذي دافع عن الجزائر بالسلاح والكلمة

هو من مواليد 2 جانفي 1933 بقرية “تموقرة” ببجاية، من عائلة محافظة ومتواضعة تعيش على الفلاحة، بدأ تعليمه في سن مبكرة في مسجد القرية، ثم في زاوية سيدي يحيى العيدلي، حيث حفظ القرآن الكريم، وأخذ المعلومات الأولية.

 في سنة 1949 التحق بزاوية سيدي يحيى العدلي، وقد كان شيخه الأول آنذاك هو الشيخ محمد طاهر آيت علجت حفظه الله، حيث أتمّ حفظ القرآن كله بالزاوية، كما أخذ المعلومات الأولى في حفظ المُتون، سواء كانت نثرا أم نَظما، في رسالة أبي زيد القيرواني وابن عاشر ولامية الأفعال والصرف الحديث والبلاغة الواضحة وألفية ابن مالك والعاصمية وعلوم الحساب والفرائض.

في سنة 1951 التحق بجامع الزيتونة، وحصل على شهادة الأهلية بامتياز سنة 1954. وفي سنة 1957 نال شهادة التحصيل. وفي سنة 1959 نال شهادة العالِمية (بكسر اللام) في الشريعة.

التحق بعدها بجامعة بغداد التي حصل منها، بعد ثلاث سنوات، على البكالوريوس في اللغة العربية. وفي سنة 1962 ومباشرة بعد الإعلان عن الاستقلال، عاد إلى الجزائر حيث عُيِّن أستاذا بثانوية ابن تومرت ببوفاريك، وبعدها بسنة انتقل إلى ثانوية عقبة بباب الوادي بالعاصمة، وبعدها التحق بالمعهد التربوي للجنة التأليف، ثم بعد ذلك التحق بجامعة الجزائر التي تحصّل منها على شهادة الدكتوراه من الدرجة الثالثة بين سنتي 1972/1973 حول “الأدب الأندلسي”، وبعدها بقي يدرس بالجامعة إلى غاية سنة 1983، حيث عُيِّن مديرا بمعهد العلوم الإسلامية التابع لجامعة الجزائر ليتحوَّل فيما بعد إلى المعهد الوطني العالي لأصول الدين، وبقي مديرا بهذا المعهد لمدة تسع سنوات؛ أي إلى غاية سنة 1990.

 بعدها عُيّن أستاذا مكلفا بالمحاضرات، ودرَّس المقررات: الأدب الجاهلي، الأدب الأموي، الأدب الأندلسي، الأدب المملوكي والعثماني، الأدب المغربي القديم، وأخيرا علَّم القرآن والحديث إلى اليوم. وفي فيفري عام 2000 تحصَّل على شهادة دكتوراه الدولة، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه وغيرها.

وإلى غاية وفاته أمس، كان عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى الذي أسندَ إليه منذ الثمانينيات، وأستاذ مادة علوم القرآن، وعضوا في اللجنة الوطنية للأهلَّة، ورئاسة لجنة الإفتاء بالمجلس الإسلامي الأعلى منذ عام 1992 إلى اليوم.

ناضل وشارك في الثورة التحريرية، فهو مجاهدٌ في جيش التحرير الوطني، وعضو في جبهة التحرير قبل التحاقه بالجيش.

 

وظائف أخرى:

في سنة 1980 رُشِّح عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى الذي كان تحت وصاية وزارة الشؤون الدينية في عهد الوزير عبد الرحمن شيبان، وبعد دستور 1996 ألحقَ برئاسة الجمهورية، ومنذ سنة 1998 وفي عهد الدكتور عبد المجيد مزيان- رحمه الله- وهو عضوٌ بالمجلس الإسلامي الأعلى إلى يومنا هذا، حيث اضطلع بمهام رئاسة مجلس الفتوى بحكم تخصُّصه في الشريعة. كما أن له مشاركات كثيرة في الملتقيات العلمية داخل الجزائر وخارجها.

 

من أعماله العلمية

ـ تحقيق ديوان لسان الدين بن الخطيب “الصيب والجهام والماضي والكهام” سنة 1973.

ـ تحقيق كتاب “الأنوار في آيات النبيّ المختار” للشيخ عبد الرحمن الثعالبي، في ثلاثة أجزاء، سنة 2001.

ـ كتاب في الأدب الأندلسي.

مقالات ذات صلة