الشروق العربي
الفنان القدير الصادق جمعاوي للشروق العربي:

هذا سبب اختفاء الأغنية التربوية

صالح عزوز
  • 780
  • 3
تصوير: خالد مشري
الفنان القدير الصادق جمعاوي

فرقة أبحرت في كل ربوع الوطن بفنها المتميز، استطاعت أن تنقش اسمها بأحرف من ذهب، بقيت خالدة في ثقافة المجتمع الجزائري، كان تميزها واضحا في تقديم أغان تربوية ووطنية نابعة من الحس الوطني، تعاقبت على حبها أجيال كثيرة، منذ مطلع الثمانينيات إلى حد الساعة، حتى أصبح الاستماع إليها كأمانة تمرر من جيل إلى جيل، وتردد عبر كل السنوات.. أردنا من خلال هذه المساحة الزمنية أن نقوم بزيارة خاصة إلى قائد فرقة البحارة، الصادق جمعاوي، الذي كان حضوره مميزا في الصالون الدولي للكتاب لهذه السنة، ففتح لنا صدرا واسعا للحديث عن الكثير من القضايا المتعلقة بالفن والفنانين في الجزائر، عن مسيرة تصل إلى نصف قرن من العطاء، وكذا عن واقع الأغنية التربية.

تجولنا، رفقة الفنان القدير، الصادق جمعاوي، في ذاكرة فرقة البحارة، اسم اشتق من زرقة البحر.. بدأ الحديث إلينا بالإجابة عن سؤال يطرحه كل من أحب هذه الفرقة، وهو: أين هي اليوم؟ معبرا عن رقم تاريخي، لم تحققه فرقة قبلها ولا بعدها: “نحمد الله أننا اليوم استطعنا الحضور في 46 ولاية، بأغان وطنية وتربوية، نابعة من المواطنة، رقم أفتخر به، وكذا أغتنم الفرصة لتقديم الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه الجولات من ولاة وجمهور.. جمهور متعطش إلى الفرقة، خاصة البراءة منه، كان ومازال متعلقا بها إلى حد الساعة، وهو شيء أعتز به، وأرى أن هذا الحب الذي نجده في كل مكان وطأته قدمانا، هو فخر وكرم وحسن ضيافة منهم.

نجحنا لأننا كنا نعرف خصوصيات المجتمع

عرج الفنان القدير، الصادق جمعاوي، على أسباب نجاح الفرقة في تلك الفترة، حيث إن الملاعب كانت لا تتسع لاستقبال الجماهير المتعطشة إلى سماعها بقوله: “أولا، هناك الفنان الشعبي، وهناك الفنان المشهور، وهما مختلفان، يمكن أن تصنع فنانا مشهورا، لكن لا يمكن أن تقدم له شعبية، لأن هذه الشعبية يجب أن ينتزعها من أوساط الشعب، وهذا بمعرفته للأوساط الشعبية وثقافتهم، وكذا معرفة خصوصياتهم، ونمط معيشتهم وغيرها، فحين تقدم للجمهور رسالة يؤمن بها ويعيشها، أكيد تكون ناجحة”.

العشرية السوداء… لا يمكن أن نغني في جزائر حزينة

كغيرها من المجالات، مرت فرقة البحارة بفترة العشرية السوداء في الجزائر، وكانت من بين الأسباب التي حدت من عطائها، فقد قررت الفرقة الحد من نشاطها، وعدم المغامرة بجمهور هذه الفرقة داخل القاعات والملاعب، كما أن الجزائر كانت حزينة، ولا يمكن للفرقة أن تستمر في الغناء، مهما كان الأمر، فالاستمرار في الأفراح في ظل هذه الظروف، ليس رسالة أمل، كما يعتقد بعض الناس، لأن هناك رسائل أخرى على غرار إعادة بناء مصانع تهدمت، أو مدارس، ولا يمكن للإنسان أن يغني وهو مجروح، على حد قول الصادق جمعاوي.

الأغنية التربوية اختفت لهذه الأسباب

“أولا، هناك تخطيط، يمكن القول إنه خاطئ، فنجد اليوم الأستاذ يختنق في الاكتظاظ، دون العمل على إيجاد مساعدة له من طرف فنان، يرافقه في تهذيب الذوق عند الطفل، لتقديم معان سامية له عن التربية والتعليم والأستاذ، وبخاصة التربية الأخلاقية.. وهذا ما نلاحظه في كل بلدان العالم، حيث إن الفنان هو المكمل للخطاب البيداغوجي الذي يقوم به المعلم، عكسنا نحن”.

نتأسف على واقع الفن في الجزائر..

أما عن واقع ما يقدمه بعض الفنانين، وتحول الفن من رسالة هادفة إلى أخرى ماجنة خادشة للحياء، فرد علينا الفنان القدير، الصادق جمعاوي، بحسرة ظهرت في ملامحه: “في الحقيقة، ما يقدمه بعض الفنانين اليوم هو فقط من أجل تحقيق حب فئة معينة، أو صديقة فقط.. والمؤسف، أنه في بعض الأغاني يستعملون لفظ الجلالة في كلماتهم للقسم على العشق والغرام وغيرها.. فلا يمكن أن يكون الله- عز وجل- شاهدا على الفساد.. وباختصار، اليوم نعيش في زمن انحطاط الأغنية بكل المقاييس”.

يجب على الفنان أن يقود المجتمع وليس العكس

أما عن واقع الذوق الموسيقى، وما يطلبه الجمهور الجزائري اليوم، فيرى الصادق جمعاوي: “هناك مجتمعان، مجتمع منفتح، وهو جمهور لا يستهويه ما يقدمه الصادق جمعاوي، وفي المقابل، هناك مستمع ذواق، يستمع إلى الموسيقى المهذبة، التي لا يستحي الشخص من سماعها مع العائلة، أي إن الفنان لا يكون فيها مثالا سيئا.. وهذا ينطبق على الإعلاميين كذلك، فتجد من يحب الفئة الأولى دون فئة الصادق جمعاوي من الفنانين. لذا، تجده لا يقوم بتغطية حفلاتهم، في المقابل، يغطي حفلات الفئة الأخرى، ويقدمها للجمهور.. وأعطيك مثلا، أنه لما تم تكريمي مؤخرا، لم يحضر إلا ثلاثة أو أربعة إعلاميين فقط”.

أما عن مشاكل الفنان الجزائري، فعبر عنها الفنان القدير بأنها عويصة، بحيث أرجعها إلى المستوى الثقافي. لذا، يجب أن تكون لدى الفنان الثقافة الأكاديمية، بالإضافة إلى درايته بثقافة المجتمع. ويجب عليه أن يسبق الأحداث، كما أن هناك مشكلا آخر، وهو عدم وجود الضمان المادي في هذا المجال.

بعد عطاء ونجاح مستمر، كرم الفنان القدير، الصادق جمعاوي، مؤخرا- تكريم اعتبره خطوة حسنة، غير أن التكريم الحقيقي، يراه أكبر من مجرد ماديات فقط.. فحضور العائلات في كل السهرات، التي قامت بها الفرقة عبر الوطن، وأخذ صورا معها وشكرها، هو التكريم المعنوي الأفضل له، على حد قوله.

لقائي بالأمير فيصل كان مؤثرا جدا

مسار فني كبير، وعطاء بلا حدود، سمح للفنان الصادق جمعاوي بأن يلتقي بشخصيات عديدة عالمية وأحداث مؤثرة، بقيت راسخة في حياته.. في قصص اختارها لنا في ختام حديثه إلينا: “من الشخصيات التي التقيت بها، أولا، طلال مداح- رحمه الله-، التقيت به بدعوة من الأمير فيصل. ثانيا، فنان كان يحتل المرتبة الثانية في أوروبا من أصل برتغالي، استدعانا عنده، وأكرمنا كمسلمين من حيث الأكل والشرب، بالإضافة إلى وزير الشباب والرياضة المغربي السملالي، حين قدمت لنا الميدالية الذهبية للبحر المتوسط في المجال الثقافي، ولا أنسى عبد السلام جلود، الرجل الثاني بعد القذافي آنذاك. أما ما حز في نفسي من ذكريان، فهو ما وقع لي مع الأمير فيصل، حين أطلعني على بطاقة للتبرع إلى الثورة الجزائرية، وهو في الثانوية إبان الثورة التحريرية، يعرف الثورة والثوار الجزائريين، وهذا يعكس قيمة الفرد الجزائري في الدول العربية، الذي يظهر عندهم دائما في صورة البطل”.

مقالات ذات صلة