-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هذا ما استفدتُه من الإبراهيمي

بقلم: محمّد الغزالي
  • 629
  • 1
هذا ما استفدتُه من الإبراهيمي

إن الخطيب أو الكاتب يوم يستمد توجيهاته من قلبه ويصبها في نفوس تلامذته إنما يُكوّنُ فيالق من أولي الفــداء، ويصنع قذائف حية من رجال ينسـفون الباطل نسـفًا، وذلك ما أحسسناه ونحن نستمع إلى الشيخ البشير الإبراهيمي في القاهرة، فعرفنا لماذا ضاق به الفرنــســيون وطاردوه، ومن ثَمَّ قررنا الالتفاف به والاستمداد منه.. ومن الخطأ تصوُّرُ أن الشيخ الكبير كان خطيبًا ثائرًا وحسب. لقد كان فقيهًا ذكي الفكرة بعيد النظرة. ووقع لي معه حوار في مسألتين طريفتين.

قال لي مرة: لعلك قرأت في السيرة الشريفة أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كانوا ينصرفون عن مجلسه إلَّا على ذَوَاق -وزن جمال-. قلت: نعم. قال: فما الذواق الذي ينالونه في مجلسه؟ فتَرَيَّثْتُ قليلاً ثم أجبت: لعلهم كانوا يتناولون بعض الأطعمة أو الأشربة كما يقع في عصرنا هذا عندما تُقَدِّم للأضياف والوافدين أقداحًا من الشاي أو غيره.. قال لي: ظننتك أفضل من أن تجيب هذه الإجابة الساذجة، أذلك شيء ينوِّه به الأصحاب الكرام؟ قلت في تلهف: فما هذا الذواق الوارد في السنة؟ قال: إنه تذوق أرقى، ألا تذكر الحديث الشريف: «ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا».. إن المجلس النبوي تظلله الحكمة، ومقام النبي فيه ترقيق القلوب، ورفع المستوى، وتخليص الروحانية من شوائب الأرض، وجعل البشر في مصاف الملإ الأعلى.. فما ينصرف أحد عن هذا المجلس الزكي إلا وقد تذوق نازلًا من السماء، ولا يعود إلى أهله إلا بذخر يعليه ويعليهم.. الحق، ان هذا المعنى كان جديدًا علي، غير أني شعرت بأنه الحق، وأنه أولى كثيرًا من تفسير الذواق بأنه طعام أو شراب.

وسألني مرة: ما تقول في هذه الذبائح التي تملأ ساحات مِنًى، يتحلل بها الحجاج والعامرون من مناسكهم؟ فلم أدر ما أقول، كل ما استطعت أن أجيب به أنها من شعائر الحج والعمرة قربة إلى الله وطعمة للفقراء، وفي الآية ((لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِير)).

قال: ليت الحجيج يحققون هذه الغاية فيأكلون ويتصدقون ويفرح بصنيعهم البائسون الفقراء، إنهم يذبحون ويدعون ذبائحهم على الثرى لا يقربها إنس ولا وحش، فتضيع سدى، وقد نُهينا عن إضاعة المال. حبذا لو وضعت خطة للإفادة من هذا الخير المبذول وتعميم النفع به.. وما تمناه الشيخ البشير الإبراهيمي نفذ بعد ثُلُث قرن، فقد عرفت الآن أن ما يذبح يكون بقدر حاجة الفقراء، والباقي يوجه لسد ثغرات الجوع، والجفاف في أماكن أخرى.. وهذا هو الفقه الصحيح وحسن التصرف في تنفيذ أحكام الشرع الشريف. (نشر في مجلة الثقافة الجزائرية، عدد 87، ماي- جوان 1985م).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نوح

    ما هي الفائدة من هذا المقال؟