رياضة
الإصلاح الرياضي مهّد لنهائي "كان 80" ومونديال 82

هذه أبرز انجازات ومواقف بومدين في تاريخ الكرة الجزائرية

صالح سعودي
  • 11630
  • 13
ح.م

ترك الرئيس الراحل هواري بومدين أثرا ايجابيا في الحقل الرياضي، على غرار بقية القطاعات الأخرى، حيث يجمع الكثير من العارفين بأنه أعطى أهمية لكرة القدم مثلها مثل الاقتصاد والصناعة والزراعة وبقية القطاعات الأخرى، بدليل إقدامه على تفعيل سياسة الإصلاح الرياضي، التي واكبت الثورة الزراعية والصناعية والقرى الاشتراكية وتأميم المحروقات.

لم يستهن الزعيم الراحل بأفيون الشعوب، حيث كرّس معالم الإصلاح الرياضي الذي كان له أثر ايجابي على الكرة والرياضة الجزائرية منذ النصف الثاني من السبعينيات وامتد مفعوله إلى نهاية الثمانينيات، ما خلف الكثير من الإنجازات التي سمحت برفع العلم الوطني عاليا، بدليل تأهل المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس العالم  في مناسبتين (1982 و1986)، وسجل حضورا منتظما في نهائيات “الكان”، قبل أن يحرز اللقب الإفريقي الوحيد عام 1990، والكأس الآفرو آسيوية في العام الموالي، والكلام ينطبق على الأندية الجزائرية بقيادة مولودية الجزائر وشبيبة القبائل ووفاق سطيف التي نالت عدة ألقاب افريقية، إضافة إلى 5 كؤوس إفريقية نالها المنتخب الوطني لكرة اليد، دون الحديث عن بقية الرياضات التي خطفت الأضواء في فترة الثمانينيات.

بومدين شكر بتروني الذي حوّل الخسارة أمام فرنسا إلى انتصار

كان تنظيم الجزائر لألعاب البحر الأبيض المتوسط عام 1975 فرصة للعودة بقوة إلى الواجهة الكروية، وقد سمح ذلك بترسيم أول تتويج دولي للكرة الجزائرية، بعد الفوز التاريخي أمام المنتخب الفرنسي في اللقاء النهائي بنتيجة (3-2)، حدث ذلك تحت أنظار الزعيم الراحل هواري بومدين الذي تابع اللقاء على الأعصاب، ففي الدقائق الأولى من المباراة كان المنتخب الفرنسي متقدما في النتيجة، ما جعله يغادر المنصة الشرفية في قمة القلق والنرفزة رغم الطابع الرسمي للقاء، وفجأة سمع مدرجات الملعب تهتز، بعد معادلة بتروني النتيجة، محررا الجميع بما في ذلك الرئيس بومدين الذي عاد مجددا إلى المنصة الشرفية، وتابع بقية مجريات اللقاء حتى النهاية، حيث فاز أبناء مخلوفي بعد هدف منقلتي التاريخي الذي رجح الكفة لـ”الخضر” بواقع 3 أهداف مقابل هدفين.

استمتع بتتويج “العميد” بأول لقب إفريقي

وفي العام الموالي (1976) فرح الزعيم بومدين باللقب الإفريقي الذي أحرزته مولودية الجزائر في ملعب 5 جويلية، على حساب نادي حافيا كوناكري الغيني بثلاثية كاملة أعادتهم إلى الواجهة وحفزتهم على كسب الرهان في ركلات الترجيح، حيث عقد بومدين لقاء مع اللاعبين وراح يحدثهم عن طبيعة الإنجاز وشؤون الكرة وخباياها، وعن كل أطوار اللقاء، فاندهش الجميع من الدقة التي تحدث بها بومدين عن شؤون الكرة، حيث لا يزال الكثير من اللاعبين يتذكرون تلك اللحظات التاريخية التي جمعتهم ببومدين، على غرار كاوة وآيت موهوب وبتروني وباشطا وباشي وزنير وبن شيخ وبوسري وغيرهم، علما ان أهداف مباراة نهائي العودة وقعها باشي (د24) وبتروني (هدفان في د76 و90).

وقد تناقش بومدين مطولا مع اللاعب بتروني في حيثيات الكرة خلال الحفل التكريمي الذي نظم بعد التتويج بأول كاس افريقية للأندية البطلة، خاصة في ظل “السوسبانس” الذي عرفه اللقاء المذكور الذي برز فيه بتروني، وصنع الفارق بهدفين حاسمين في اللحظات الأخيرة، مكررا سيناريو نهائي العاب البحر المتوسط عام 1975 بين الجزائر وفرنسا.

حقق أول تأهل في “الكان” والإصلاح عبد الطريق للمونديال

وعرفت فترة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين للجزائر عديد الاإجازات، رغم أن الجزائر كانت فتية في تلك الفترة، ولم تمر سوى سنوات قليلة عن استقلالها، بدليل أنه في عام 1967 حقق المنتخب الوطني بقيادة الجوهرة حسان لالماس أول تأهل في تاريخ الجزائر إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا التي جرت عام 1968، ورغم فترة الفراغ التي مرت بها الكرة الجزائرية مطلع السبعينيات، إلا أن العمل القائم في القاعدة، سمح بعودة الكرة الجزائرية إلى الواجهة، من خلال نيل ذهبية العاب البحر الأبيض المتوسط أمام المنتخب الفرنسي، في انجاز وصفه الكثير بالمميز، وبعد عام من ذلك توجت مولودية الجزائر بأول لقب إفريقي على حساب حافيا كوناكري على وقع ركلات الترجيح، وفي العام 1978 توج زملاء بن شيخ بذهبية الألعاب الإفريقية، في الوقت الذي شكل مشروع الإصلاح الرياضي منعرجا مهما في تاريخ الرياضة والكرة الجزائرية، وهو الذي اعطى ثماره مطلع الثمانينيات، بعدما نشط زملاء بلومي نهائي كأس أمم إفريقيا أمام نيجيريا، وتأهلوا إلى مونديال 82 بإسبانيا لأول مرة في تاريخ الجزائر.

حلاوة الكأس ودموع سوسطارة

كانت فترة بومدين من أفضل وأمتع مباريات الكأس، وهو الرجل الذي قرر أن يكون للجزائر ملعب أولمبي كبير، وهو ملعب 5 جويلية الذي دشن فيه أول نهائي حضره الرئيس في 19 جوان (ذكرى التصحيح الثوري)، حيث فاز فريق حمراء عنابة بثنائية نظيفة أمام اتحاد الجزائر بعد الوقت الإضافي، وهو النهائي الذي شارك فيه الوزير الأسبق مولدي عيساوي الذي ذرف الدموع بعد خسارة فريقه اتحاد الجزائر، رغم أنه ابن عنابة، وأغرب ما في هذه المباراة، هو مشاركة أخوين شقيقين وجها لوجه، وهما عطوي من الاتحاد وعطوي من حمراء عنابة.

وتكمن حلاوة الفترة البومدينية في اتساع ملعب 5 جويلية الذي صار يستوعب 90 ألف مناصر في مباريات نهائي الكأس، كما شهدت تلك الفترة وصول اتحاد العاصمة إلى اللقاء النهائي في 5 مناسبات متتالية دون أن يتذوق طعم التتويج، وذلك من عام 1969 إلى غاية نهائي 1973 الذي كان مثيرا أمام الجار مولودية الجزائر، حيث انتهت بـ4 أهداف مقابل هدفين بعد المرور إلى الوقت الإضافي، ووجد بومدين صعوبة في مسح دموع زملاء كدو الذين حطموا رقما قياسيا في هذا الجانب.

كما شهدت ذات الفترة ظهور نادي مولودية قسنطينة الذي وصل إلى النهائي مرتين في عهد بومدين، بعدما لعب نهائي آخر في عهد بن بلة الذي حضر آخر نهائي كأس جمهورية مطلع جوان 1965 بين مولودية سعيدة وترجي مستغانم، حدث ذلك قبل أسبوعين فقط عن الانقلاب، وتزامن تسلم الرئيس الراحل هواري بومدين لمقاليد السلطة تزامنا مع تألق عدة فرق معروفة، حيث وصل وفاق سطيف وشبيبة سكيكدة إلى نهائي عام 1967 الذي ابتسم للوفاق، ودشن فريق شباب بلكور أول نهائي في ملعب العناصر عام 1966، وفاز بثلاثية أمام رائد القبة (سجل فيها لالماس هدفين).

قالوا عن الرئيس بومدين

بتروني: بومدين سألني لماذا تترك اللحظات الأخيرة لتسجل؟

أرجع اللاعب الدولي الأسبق عمر بتروني الفوز المحقق أمام فرنسا عام 1975 إلى إصرار اللاعبين على تشريف الألوان الوطنية، واعترف صاحب أهداف الدقائق الأخيرة بأن المهمة لم تكن سهلة بالنظر إلى مستوى المنافس، معتبرا في الوقت نفسه أنه “من غير المعقول أن نخسر أمام فريق يمثل البلد الذي استعمرنا وهو ما جعل الجميع يطالب بتحقيق الفوز بما في ذلك السلطات بإيعاز من الرئيس الراحل بومدين”.

وحسب محدثنا فقد أعطى بومدين أهمية كبيرة للقاء حتى أنه أمر المكلف بالتشريفات عبد المجيد علاهم بالتوجه إلى غرف تغيير الملابس ما بين الشوطين، لدعوة اللاعبين إلى التحلي بالإرادة وتدارك النتيجة في الشوط الثاني، لأنه لم يكن مستعدا حسب بتروني أن نخسر فوق ميداننا ولا سماع “لامارسياز” في ملعب 5 جويلية، وقال بتروني في هذا الجانب “كان علينا أخذ الأمور بالجدية، لأن الحصول على الميدالية الذهبية هو الحل الوحيد لتفادي التوبيخ من الرئيس بومدين، والحمد لله تمكنت من معادلة النتيجة، وسجلنا بعد ذلك هدف الفوز الذي حررنا جميعا في لقاء لم يكن عاديا من جميع النواحي، ما خلف موجة من الفرحة لدى الجميع بما في ذلك بومدين الذي تحدث معي أثناء حفل التكريم وقال لي “يا بتروني، كيف تنتظر إلى غاية الدقائق الأخيرة لتسجل الهدف، أتريد أن تحبس قلوب الجمهور الغفير الذي حضر إلى الملعب”، فقلت له “يا سيادة الرئيس هذه هي كرة القدم، نحن نؤدي ما علينا ونبحث عن الفوز ولا ندري متى نسجل هدف الفوز”، ورد علي بومدين قائلا “أشكرك، لأن الألعاب بدأت بالنشيد الوطني، وكان لزاما أن تنتهي بالنشيد الوطني”.

عبد القادر ظريف:

بومدين وضع الرياضة والسياسة في كفة واحدة وهذا سر تتويجنا في 1976

أكد الرئيس السابق لمولودية الجزائر عبد القادر ظريف بأن الرئيس الراحل هواري بومدين كانت له بصمة في الجانب الرياضي، بدليل أنه وضعها في كفة واحدة مع السياسة، مشيرا إلى اقتناعه بأن الرياضة قد تقوم بأمور قد تعجز عنها السياسة، وهو الأمر الذي جعله في النهاية يصل إلى قناعة بتفعيل مشروع الإصلاح الرياضي، الذي جعل الفرق الجزائرية تنتمي إلى المؤسسات والشركات الجزائرية، وأكد عبد القادر ظريف لـ”الشروق” بأن الإصلاح الرياضي كان بمثابة الاحتراف في تلك الفترة، بحكم أن مستحقات اللاعبين كانت مضمونة، ويتم دمجه كعامل، لكن مهمته هي ممارسة كرة القدم.

وقال ظريف في سياق حديثه بأن تطبيق الإصلاح الرياضي كان بناء على تجارب قامت بها بلدان في المعسكر الاشتراكي، على غرار روسيا وبلغاريا وغيرها، معتبرا بأن مقارنة فترة السبعينيات بالفترة الحالية غير ممكنة، كما عاد ظريف إلى أجواء التتويج بكأس إفريقيا للأندية البطلة أمام حافيا كوناكري، مرجعا ذلك الإنجاز إلى تضافر جهود الجميع، والاستقرار الذي كان يميز الأندية من الناحية الفنية والإدارية، وهو الإنجاز الذي خلف ارتياحا كبيرا في الشارع الرياضي وفي نفسية الرئيس الراحل هواري بومدين.

عيبود:

عبارة “إيمازيغن إيمازيغن” أزعجت بومدين ومهدت للإصلاح 

أكد اللاعب السابق لشبيبة القبائل بأن نهائي كأس الجمهورية بين الشبيبة ونصر حسين داي قد عرف رد فعل من جماهير الشبيبة الذين رددوا مطولا عبارة “ايمازيغن.. إيمازيغن”، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس هواري بومدين الذي لم ينتظر طويلا، وقرر فيما بعد بعث مشروع الإصلاح الرياضي الذي جعل الأندية تابعة للشركات والمؤسسات الاقتصادية والعمومية، وكان في نهائي الكأس عام 1977 بين شبيبة القبائل ونصر حسين داي، قد ردد أنصار الشبيبة شعارات على وقع عبارة “إيمازيغن، إيمازيغن”، بشكل أزعج الرئيس بومدين، ما جعله يقرر تأميم الأندية، من خلال إصدار قانون الإصلاح الرياضي، فعلى سبيل المثال تم تغيير اسم شبيبة القبائل إلى شبيبة إلكترونيك تيزي وزو، رغبة منه في تفادي الحساسيات التي تفرق في نظره أكثر ما تلم الشمل.

بعض محطات بومدين ومواقفه في شؤون الكرة

بومدين والانقلاب الكروي على بن بلة

لبومدين وفاء كبير لكرة القدم منذ توليه سدة الحكم، حيث لم يكن انقلابه على بن بلة عسكريا فقط، بل كان له طابع كروي، وتزامن ذلك مع مباراة المنتخب الوطني بوهران أمام نادي سانتوس البرازيلي بقيادة بيلي وغارينشا، وهو اللقاء الذي كلف بن بلة غاليا.

كان رئيسا شرفيا لترجي قالمة

تؤكد شهادات اللاعبين السابقين لترجي قالمة على قبول هواري بومدين رئاسة هذا النادي شرفيا، وكثيرا ما كان يسأل عن نتائج “السرب الأسود”، ففي مباراة ترجي قالمة وشباب بلوزداد بملعب 20 أوت تفاجأ اللاعبون بين الشوطين بمدير التشريفات عبد المجيد علاهم يدخل ويقول لهم إن الرئيس يطلب منكم تشريف الفريق واللعب من أجل الفوز، وبعدما كان الفريق منهزما بهدفين لصفر عاد من بعيد وعادل النتيجة، وهذا ما يرويه اللاعب السابق عبد الحميد بن عباس.

وصف سيريدي باللاعب الممتاز

وقال اللاعب الأسبق الهادي سريدي في برنامج أمجاد الماضي على أمواج إذاعة قالمة، إنه في إحدى مناسبات عيد الفطر المبارك نظم حفل استقبال على شرف الترجي القالمى بالبيت العائلي لبومدين بمدينة هيليوبوليس، وكان هو من المدعوين باعتباره لاعبا، ووصل متأخرا عن زملائه، ولم يكن يدري أن بومدين هو من اقترح هذا اللقاء، ولم يفتح له الباب من قبل رئيس الفريق محمد كرميش الذي قال له “لماذا هذا التأخر”، فسمعه الرئيس الراحل هواري بومدين وقال لرئيس الفريق “لا تعاتبه إنه لاعب ممتاز”.

حرم بتروني ولالماس وبن شيخ والبقية من الاحتراف

المعروف عن الرئيس الراحل بومدين رفضه خيار احتراف النجوم الكروية البارزة في فترة السبعينات، فقبل انطلاق الألعاب الإفريقية صائفة 1978 استغل المدرب الوطني رشيد مخلوفي فرصة حديثه مع بومدين حول مقترح احتراف اللاعب علي بن شيخ، لكن بومدين أكد له أن الجزائر في حاجة إليه، والكلام نفسه ينطبق على أسطورة شباب بلكور لالماس، خصوصا أنه كان محل اهتمام عدة أندية أوروبية على غرار أندرلخت البلجيكي وأولمبي مرسيليا وباريس سان جيرمان.

هدّد الساسي حاوزماني بسبب مبالغته في الشتم

من جانب آخر، سبق أن هدد الرئيس بومدين اللاعب المثير للجدل الساسي حاوزماني بسبب تلفظه بكلام قبيح في إحدى المباريات تحت أنظار الزعيم الراحل، ويسرد الساسي هذه الحادثة لـ”الشروق” كما يلي: “في مباراة لعبتها مع فريقي شباب باتنة ضد نصر حسين داي، بدر مني كلام قاس سمعه الرئيس بومدين الذي كان متواجدا في المنصة الشرفية، وبعد صافرة النهاية أرسل المكلف بالتشريفات عبد المجيد علاهم الذي قال لي إن بومدين يقول لك “ماتزيدش تسب في الملاعب” “، ما يؤكد حسب الساسي حرص بومدين على أخلاقيات الكرة حتى يكون اللاعبون قدوة في تكريس الروح الرياضية.

رفض مراوغات وتبريرات كويسي

ومن بين مواقف بومدين تلك التي حدثت خلال حفل استقبال أقامه على شرف المنتخب الوطني رغم تعادله بميدانه أمام نظيره المصري، حينها اقترب بومدين من كويسي الذي كان جالسا إلى جانب بن شيخ، مستفسرا عن أسباب التعثر، فالتفت كويسي إلى بن شيخ، ثم قال لبومدين “إن التعثر يعود إلى قوة الرياح وارتفاع درجة الحرارة”، لكن بومدين ابتسم ورد عليه “لكنك متعود على ذلك.. وأنت ابن منطقة أمدوكال المعروفة بالحرارة المرتفعة”، وطأطأ كويسي رأسه معترفا بذكاء الرئيس.

مقالات ذات صلة