-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد اعتماد التدريس والنشر باللغة الإنجليزية... باحثون لـ"الشروق":

هذه تحديات الانتقال اللغوي في الجامعة الجزائرية

إلهام بوثلجي
  • 4115
  • 0
هذه تحديات الانتقال اللغوي في الجامعة الجزائرية
أرشيف

فرض التحول اللغوي في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي نحو اللغة الإنجليزية سواء في الشق البيداغوجي أو البحثي عدة تحديات بدأت تجلياتها تظهر في الميدان، لاسيما تلك المتعلقة بمدى وجود خبراء مختصين يتقنون اللغة الإنجليزية بشكل يكفل المراقبة والمتابعة للإنتاج العلمي، والتحكيم الجيد للأبحاث.
واعتمدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي اللغة الإنجليزية في التدريس بشكل رسمي بداية من الموسم الجامعي الجاري في عدة تخصصات علمية وتكنولوجية وحتى في العلوم الإنسانية والاجتماعية، بعد إخضاع الأساتذة وطلبة الدكتوراه لتكوين في اللغة الإنجليزية منذ نهاية سنة 2022، حيث بلغ عدد الأساتذة المستفيدين من التكوين 30 ألف أستاذ على اختلاف رتبهم، ويرى مختصون وأكاديميون أن التحدي الأكبر لن يكون في التلقين والتعليم بلغة ثالثة أو ثانية بقدر ما يطرح نفسه في استخدام اللغة الإنجليزية في الكتابات العلمية والنشر الأكاديمي، بعدما اعتاد الباحثون على البحث والنشر باللغتين العربية والفرنسية فقط، فيما اقتصر استخدام اللغة الإنجليزية على القلة القليلة من الدارسين في الخارج في الجامعات الناطقة بها.
ويبرز التحدي – حسبهم- في ظل التحول اللغوي الحاصل في قطاع التعليم العالي وعلى وجه الخصوص في مجال البحث العلمي لما يتميز به من دقة وخصوصية مقارنة بالتدريس، إذ يتطلب ذلك خبراء ورؤساء تحرير للمجلات العلمية يتقنون اللغة الإنجليزية حتى يتم التعامل مع البحوث وتحكيمها بشكل جيد، ويساهم في تحفيز الباحثين للنشر بهذه اللغة، خاصة أن الوزارة أولت أهمية كبيرة للنشر بها وجعلتها معيارا مهما للتقييم في دورات التأهيل والترقية ومنحتها درجات أعلى مقارنة بالنشر باللغتين العربية والفرنسية، وهو ما دفع الباحثين الجزائريين للسعي من أجل كتابة مقالاتهم وبحوثهم باللغة الإنجليزية بالاستعانة بمترجمين أحيانا أو حتى بالترجمة التي تقدمها بعض التطبيقات الذكية أو محرك البحث الشهير “غوغل” وفي ظل عدم إتقان كل الخبراء والمحكمين بالمجلات لهذه اللغة برزت إلى الوجود عدة إشكالات كالترجمة الحرفية الخاطئة أو اللجوء إلى السرقة العلمية الحرفية من المواقع الأجنبية والمجلات العالمية مثلما وقع فيه أحد الباحثين الجزائريين من سرقة لمقالات بلغ عددها تسعة تعود ملكيتها لباحث عراقي وكتبت كلها باللغة الإنجليزية، قبل أن يكتشف أمره مع بداية شهر سبتمبر المنصرم، حيث أعلنت مديرية البحث العلمي والتكنولوجي عبر منصة البوابة الجزائرية للمجلات العلمية عن سحب المقالات محل السرقة من موقعها، ما يستدعي التساؤل عن مدى إدراك القائمين على المجلات بهذا التحدي اللغوي.

شافو: عدم التحكم في اللغة الإنجليزية سبب انتشار السرقة العلمية
وفي السياق، فتحت “الشروق” هذا الملف مع أساتذة مختصين، حيث يرى أستاذ التعليم العالي بجامعة الوادي رضوان شافو بأن قضية سرقة باحث جزائري لمقالات باللغة الإنجليزية بقدر ما تستدعي تفعيل العقوبات المنصوص عليها في القرار رقم 1082 المؤرخ في 27 ديسمبر 2020 الذي يحدد القواعد المتعلقة بالوقاية من السرقة العلمية ومكافحتها ويتحمل مسؤوليتها الباحث نفسه، فهي تحيلنا إلى مسؤولية رؤساء التحرير للمجلات في التدقيق والتمحيص واختيار خبراء محكمين يتقنون هذه اللغة، ولفت إلى أن هناك تحديات جديدة لرؤساء التحرير في ظل التحول اللغوي في النشر من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية، إذ أن ما حصل مرده لعدم التمكن اللغوي لرؤساء التحرير، والنقص الكبير في أعضاء هيئة التحكيم والمراجعة المتحكمين في اللغة الإنجليزية.
وحسب محدثنا، فمشكل عدم التحكم في اللغة يجعل رؤساء التحرير يتغاضون عن التدقيق اللغوي والتحري المعرفي لمحتوى البحث، ليتم تحويله مباشرة إلى المحكمين، وهنا يكون الإفلات الأول للمنتحل أو السارق من قبضة رئيس التحرير، وإذا كان المحكم أو المراجع غير مبال، ويتبع الطريقة السطحية المعتمدة في منصةASJP، فهنا يكون الإفلات الثاني من قبضة المحكمين، ليتم قبول البحث للنشر ليستمر الباحث اللص في ممارساته غير مبال لأنه متيقن من غياب التحكيم والمراجعة اللغوية .
ويطرح الباحث شافو إشكالا آخر يتعلق بعزوف كبير من طرف المحكمين والمدققين اللغويين من تحكيم ومراجعة الأبحاث المرسلة إليهم وهذا لأنه لا يوجد أي مقابل مادي وتحفيز وتثمين لجهودهم في التقييم مثلما هو الشأن في مجلات عالمية وجامعات أجنبية، وبالتالي يعتبرونه مضيعة لوقتهم، ما ساهم في تمرير الأبحاث دون تدقيق، بالإضافة إلى أن معظم رؤساء تحرير المجلات العلمية لا يملكون برامج كشف نسبة الاقتباس أو الانتحال، وكل من يملكه سيكون على حسابه، لأن البرامج الأصلية تكون مدفوعة شهريا أو سنويا.
ودعا أستاذ التعليم العالي بجامعة الوادي إلى ضرورة إعادة النظر في قانون السرقات العلمية وتحيينه بعقوبات أكثر صرامة مما هي عليه، كالفصل النهائي أو غرامات مالية، أو الحبس مثلما هو مطبق في بعض جامعات المشرق العربي، أو في الغرب، مع ضرورة تدعيم رؤساء التحرير بمختلف البرامج الأصلية لكشف نسبة الاقتباس والانتحال باللغتين العربية والأجنبية، واستحداث منح أو علاوات للتثمين والتحفيز المادي للمراجعين والمدققين اللغويين.

بوالروايح: ضرورة القيام بمراجعة بعدية للبحوث قبل نشرها
وإلى ذلك، أشار الأستاذ الدكتور محمد بوالروايح، في تصريح لـ”الشروق”، إلى أن قرار الجزائر التحول إلى الإنجليزية لم يكن قرارا سياسيا منفردا، بل قرار يتماشى مع المعطيات الدولية، التي تشير إلى أن اللغة الإنجليزية تهيمن على نسبة كبيرة من المادة العلمية المنشورة في المجلات العلمية الدولية، والتي يعد النشر فيها معيارا أساسيا من معايير تصنيف الجامعات، حيث إن ضعف المنتوج العلمي للجامعات العربية، ومنها الجامعات الجزائرية في هذه المجلات هو الذي جعلها لا تحقق تقدما في سلم التصنيف العالمي رغم امتلاكها لنخبة مميزة من الباحثين.
وبالنسبة للضجة التي أثارها نشر بحوث مسروقة في المنصة الجزائرية للمجلات العلمية قبل تدارك الوضع وسحبها، فيرى الباحث بوالروايح بأن دور هذه المنصة تقني بحسب طبيعة التنظيم الذي يحكمها، إلا أنه ينبغي من باب التأكد من أصالة البحوث الواردة إليها تشكيل لجنة علمية مختصة، للقيام بمهام الخبرة والمراجعة البعدية للبحوث لتفادي حالات السرقة العلمية التي ازدادت في السنوات الأخيرة والتي تمس في حالة استمرارها بمصداقية البحث العلمي، مشيرا إلى أنه يمكن للهيئة المشرفة على المنصة تشكيل فريق من الخبراء في شتى التخصصات مهمتهم مراجعة البحوث المنشورة باستخدام برنامج كشف السرقات العلمية الذي تعتمد عليه الجامعات العالمية، والذي كانت له نتائج حاسمة في تمييز البحوث الأصيلة من البحوث المسروقة، لاسيما أن هذه المنصات التابعة للمديرية العامة للبحث العلمي والتكنولوجي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي تعد بمثابة بوابة للتعريف بالإنتاج العلمي للنخبة الجامعية الجزائرية.

الكم الهائل من المقالات المسروقة يستدعي دق ناقوس الخطر
ودق المتحدث ناقوس الخطر من الكم الهائل للمقالات المسروقة، إذ وصلت في حالة أحد الباحثين إلى تسع مقالات مسروقة من مجلات عراقية، وهذا الكم من السرقة العلمية-يضيف- يعد غير مسبوق في الجزائر، وتعود أسبابه إلى لجان الخبرة العلمية التي يرجح أنها لم تقم بدورها بالفعالية المطلوبة في اختبار المادة العلمية إما لضعفها أو ضعف بعض أعضائها في لغة المادة المنشورة وإما للقراءة السطحية والمتسرعة للبحوث.
وعدَّد نفس الباحث عدة معايير أساسية ينبغي توفرها للتحكيم باللغة الإنجليزية وضمان انتقال سلسل وتوجه علمي نحو النشر بغير اللغتين العربية والفرنسية، فأول معيار يمكن الاعتماد عليه في الحكم على أصالة المادة العلمية الموجهة للنشر في المجلات العلمية المحكمة، هو معرفة تخصص الباحث أو تمكنه من اللغة التي يكتب بها، واستدل بوالروايح بتجربته في التحكيم لبعض المقالات العلمية أو مناقشة المذكرات قائلا: “لاحظت استخدام بعض الباحثين في فهرس المصادر والمراجع كما هائلا مما كُتب باللغة الفرنسية أو الإنجليزية ليكتبوا بعدها في مقدمة البحث أن من الصعوبات التي واجهتهم في البحث هو الضعف في اللغات الأجنبية”، وأردف: “هذه مفارقة لافتة للنظر إذ كيف لجاهل باللغة الإنجليزية على سبيل المثال أن يكتب بها؟”.

ملخصات مترجمة حرفيا من غوغل ضمن المقالات
وأشار البروفيسور بوالروايح إلى أن الطامة الكبرى تكمن أيضا في استغلال الترجمة الحرفية لمحرك البحث “غوغل” في كتابة ملخصات المقالات باللغة الإنجليزية، ليصرح: “لقد لاحظت شخصيا بالاطلاع على عينة من المقالات المنشورة في المنصة الرقمية أن هناك ملخصات باللغة الإنجليزية مهلهلة وغير مضبوطة”، متابعا: “يبدو أن أصحابها لجؤوا ربحا للوقت أو استعجالا للترقية العلمية إلى الترجمة التي يتيحها محرك غوغل وهذا الذي لا أنصح بالاعتماد عليه في ترجمة المواد العلمية المتخصصة التي تشتمل على تراكيب ومصطلحات علمية لا مناص من استشارة الخبراء بشأنها”.
وثمن المتحدث التوجه إلى اللغة الإنجليزية، إلا أنه يرى بأن ذلك يفرض عدة تحديات، إذ ينبغي على الجامعات ومراكز البحث تكوين خبراء في التحكيم العلمي باللغة الإنجليزية، والحرص على عدم إسناد هذه المهمة إلى كل من هب ودب ففاقد الشيء لا يعطيه، مشيرا إلى أنه إذا كان الخبير مختصا في مجال علمي معين فهذا لا يخوله لتحكيم موضوعات مكتوبة باللغة الإنجليزية ولو كانت في مجال تخصصه، بل يجب الاعتراف بأن نسبة كبيرة من المحكمين والخبراء المعتمدين في الجامعات، ومراكز البحث العلمي ليس لهم تحكم باللغة الإنجليزية، وهو ما يسمح بتسلل بعض الموضوعات المسروقة.
ويرى بوالروايح بأن كثيرا من المواد العلمية المحكمة يميزها عامل التسرع إما لزيادة الكم العلمي، وإما للاستجابة ولو بطريقة غير مباشرة لرغبة الباحثين في الترقية العلمية، وهذا التصرف له تأثير خطير على مصداقية البحث العلمي فلجان التحكيم مهمتها علمية محضة، وليست جمعية خيرية، إذ ينبغي أن تكون متشددة في مهامها تحذوها الرغبة في ترقية البحث العلمي، ولا تعير اهتماما لرغبة الباحثين ولا لرغبة المؤسسات والهيئات التي ينتسبون إليه.

ضرورة تفعيل برنامج كشف السرقات العلمية
ودعا نفس البروفيسور إلى تفعيل برامج كشف السرقات العلمية المتاحة على مستوى كل المؤسسات البحثية، حيث إنها من الأولويات التي حرصت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على توفيرها من أجل التصدي لظاهرة السرقة العلمية، إلا أن وجودها يقتضي تفعيلها في الميدان، والمطلوب في هذه الحالة أن يقوم الخبير باستعمال كاشف السرقة العلمية بنفسه لكي يوفر على نفسه كثيرا من المعاناة التي يصادفها عند تحكيم بعض الموضوعات، مستدلا بتجربة بعض الجامعات الأمريكية والأوروبية وحتى بعض الجامعات العربية في استخدام برنامج كاشف السرقة العلمية، حيث حققت بذلك نتائج حاسمة في اكتشاف البحوث المسروقة، وهو ما قلص نسبتها إلى ما دون الحد الأدنى، وأضاف: “يجب القول بكل موضوعية بأن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كهيئة وصية لا تتحمل السرقات العلمية التي يتم اكتشافها بين الفينة والأخرى والتي تتحملها لجان الخبرة بمفردها، إذ أن الوزارة أصدرت قوانين وتشريعات لمواجهة السرقات العلمية التي شددت العقوبة على مرتكبه، والتي ينبغي تفعيلها وتطبيقها في أرض الواقع”.

دحماني: استخدام اللغة الإنجليزية سيسمح بترقية المجلات
ومن جهته، قال البروفيسور محمد دحماني مدير مخبر بحوث ودراسات في الميديا الجديد، إن قرار استخدام اللغة الإنجليزية في الجامعات الجزائرية هو خيار استراتيجي تماشيا مع التحولات التي يعرفها العالم، وكذا بالنظر للتحديات والرهانات الوطنية والدولية، كما أن التحول للنشر بهذه اللغة بات ضرورة لأن المجلات المصنفة عالميا تنشر كلها باللغة الإنجليزية، مشيرا إلى أن الوصول إلى هذا الهدف المنشود وإلى كتابة أبحاث علمية ترقى لمصاف العالمية تتطلب تهيئة المناخ والبيئة الملائمة حتى يتم الوصول لهذا الهدف بعيدا عن المخاوف من استخدام اللغة الإنجليزية.
وعرَّج دحماني على أهمية اعتماد اللغة الإنجليزية من الناحية العلمية ما تطلب اتخاذ وزارة التعليم العالي لعدة قرارات مهمة في هذا الشأن، لاسيما أنها أكثر لغة مستخدمة في معظم الجامعات الأجنبية وفي مراكز البحث العالمية، وحتى في فرنسا التي نستخدم لغتها في الجزائر- يقول- فمنذ سنوات وجامعاتها ومعاهدها تستخدم اللغة الإنجليزية، ومن ثم كان رهان وزير التعليم العالي على ترقية الجامعات الجزائرية ولضمان جودة التدريس والبحث العلمي هو تعميم اللغة الإنجليزية كلغة تكوين وبحث، ونوه المتحدث بالأهمية التي يكتسيها التحول نحو النشر العلمي باللغة الإنجليزية، إذ أن ذلك سيعزز من مرئية البحوث والجامعات الجزائرية، وسيسمح بترقية المجلات الجزائرية، إذ لا يعقل أنه من بين أكثر من 900 مجلة علمية في الجزائر توجد 13 مجلة فقط مصنفة في تصنيف (ب).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!