الجزائر
حساسيته من ضباط فرنسا وتوتر علاقته ببومدين مهد لتصفيته

هكذا تعرض بن بلة لمحاكمة شعبية مطلع التسعينيات بسبب العقيد شعباني؟!

صالح سعودي
  • 11484
  • 19
ح.م
لعنة العقيد شعباني التي لاحقت الكثيرين حتى بعد إعدامه..!

لا تزال حادثة تصفية العقيد محمد شعباني تثير الكثير من الجدل، حيث مرت مؤخرا ذكرى مولده (4 سبتمبر) وقبل ذلك ب 24 ساعة، مضت ذكرى إعدامه التي تمت يوم 3 سبتمبر 1964، في ظروف لا تزال تطرح الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، في ظل تعدد الروايات والمواقف، حول ملابسات هذه الحادثة التي تعود في كل مرة إلى الواجهة، رغم مرور 54 سنة كاملة عن إعدام أصغر عقيد في جيش التحرير الوطني.

لا تزال ذكرى إعدام العقيد محمد شعباني تلقي بضلالها حول أسباب وملابسات هذه الحادثة التي خلفت الكثير من ردود الفعل في الأوساط الشعبية وحتى الرسمية، ما جعل دائرة الاتهامات والانتقادات تتوسع وتتعدد، وإذا كانت السنوات الأخيرة قد عرفت العديد من التصريحات المتطابقة والمتناقضة بين الموالين للعقيد شعباني وخصومه، إلا أن الشيء الذي يتذكره البعض، هو عدم تفويت سكان بسكرة لزيارة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة لعاصمة الزيبان مطلع التسعينيات (منتصف ديسمبر 1991)، في إطار الحملة الانتخابية تحت لواء حزبه “الحركة من أجل الديمقراطية في الجزائر”، حيث سرعان ما تحولت هذه الزيارة سرعان ما تحولت إلى محاكمة شعبية داخل قاعة الزعاطشة، بعد أن طرح بعض الحضور أسئلة مباشرة لبن بلة حول أسباب وظروف وملابسات اغتيال العقيد محمد شعباني، محملين إياه مسؤولية إزهاق دم أصغر عقيد في الجزائر، باعتبار أن بن بلة كان رئيسا للجمهورية والرجل الأول في البلاد، ما جعل بن بلة يجد حينها صعوبات في مخاطبة وإقناع الحضور، داعيا الجميع إلى المرونة في التعامل، ولو أن ذلك لم يمنعه من الإجابة على تساؤلات بعض الحضور والفضوليين، كملابسات وفاة مدغري التي أرجعها إلى سكتة قلبية، وقضية وفاة خميستي، وظروف وضع العلامة البشير الإبراهيمي رهن الإقامة الجبرية، وغيرها من القضايا التي أرّقت بن بلة، وفي مقدمة ذلك قضية إعدام العقيد شعباني، وهي القضية التي اعترف بها في تصريحاته لقناة “الجزيرة”، مبررا أسباب تصفيته إلى قضية تندوف ومسائل أخرى رد عليها بلهجة جمعت بين الحزم والحسرة والندم.

المضايقات بين شعباني وبومدين وبداية النهاية مع بن بلة

يرى البعض بان لقاء بداية النهاية قد حدثت شهر سبتمبر 1963 ببسكرة، وبالضبط في محطة القطار، على هامش الزيارة التي قام بها الرئيس بن بلة لعاصمة الزيبان، حيث أن شعباني تدخل مذكرا بن بلة التقصير بوعوده لتخصيص برنامج اقتصادي تنموي للصحراء و تثبيت السكان في مزارعهم و القرى حتى نتفادى النزوح الريفي إلى الشمال، في الوقت الذي يؤكد بعض رفقاء شعباني بأن علاقة شعباني مع بومدين لم تكن على ما يرام، حيث يقول المجاهد موسى عيساني في تصريحات على صفحات “الشروق” مطلع العام المنصرم: “تطوّرت مضايقات هواري بومدين ضدّ شعباني، حيث بعث في بداية 1964م بمتعاونين عسكريين من جيش الحدود إلى الناحية الرابعة، على رأسهم الرائد محمد بوتلة ونائبه محمد علاهم، شقيق عبد المجيد، وعدد من الضباط الآخرين، تحت غطاء تحديث الجيش وتكوين الجنود، لكن المبرّر الحقيقي بسط السيطرة والنفوذ على الناحية”. مضيفا بالقول: “بقينا نحرسهم جميعا، لأننا كنا ندرك أبعاد المخطط، ولذلك وضعنا مكاتبهم تحت التصنّت الصوتي، لنكتشف في غضون ذلك أن هناك مجموعة جاءت إلى بسكرة، تابعين للأمن العسكري، على رأسها علي التونسي، أمرها بومدين باختطاف العقيد شعباني والساسي حسين والمتحدث، إثرها باغتناهم بالاعتقال، ثمّ وضعناهم رهن الحبس، لكن محمد علاهم أفرج عنهم، كونه حليفا لبومدين، فوضعه العقيد شعباني مكانهم في الحبس العسكري، واكتشفنا في ذات الوقت، تقطيع أنابيب فرامل سيارة شعباني، وقد أبلغ قائد الناحية الرابعة الرئيس بن بلة بكل هذه الوقائع”.

بداية الخلاف وممهدات التهديد والوعيد

تعود قضية العقيد محمد شعباني، بعد تحويله من قيادة الولاية السادسة التاريخية (الصحراء) إلى تعيينه نائبا لقائد الأركان، وذكر الرائد عمار ملاح في بعض كتاباته، وفي تصريحات سابقة خص بها “الشروق”، أنه في أفريل 1964 عيّنه بومدين قائدا للناحية العسكرية الرابعة (ورقلة) التي كان شعباني ممسكا بزمامها، وعيّن الشاذلي بن جديد مكانه في قيادة الناحية العسكرية الخامسة (قسنطينة)، وأشار أن العقيد بومدين استدعاه إلى مكتبه بسبب عدم التحاقه بقيادة الناحية العسكرية الرابعة وسأله بغضب: “عيّنتك في ورقلة فلماذا لم تمشي؟”، فرد عليه الرائد ملاح أنه لا يريد أن يصطدم مع العقيد محمد شعباني، فقال له بومدين: “أعطيتك أمرا… يطبّق”، وأكد عمار ملاح أنه ذهب رفقة الرائد عبد الرحمان بن سالم إلى العقيدشعباني وطلبا منه الصعود إلى العاصمة للالتحاق بمنصبه في قيادة الأركان، لكن شعباني رفض، فقال له ملاح على انفراد “إن لم تطبق ما طلبوه منك سيهجمون عليك”، وكانت العملية العسكرية ضد العقيد شعباني قد انطلقت من محورين، الأول من بوسعادة والجلفة بقيادة الرائد سعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى والرائد أحمد عبد الغني، أما المحور الثاني قسنطينة باتنة بسكرة بقيادة الرائد الشاذلي بن جديد ومحمد عطايلية، ودخلت هذه القوة مقر قيادة شعباني في بسكرة، وتم القبض عليه.

شعباني رفض قرارات بومدين رغم وساطة زبيري وملاح

وكان الرائد عمار ملاح قد خصص مقالا موثقا حول مسيرة العقيد شعباني بمناسبة خمسينية إعدامه، في الكتاب الذي أصدره حول مجاهدي وشهداء الولاية التاريخية الأولى، وفي هذا الجانب كتب الرائد عمار ملاح يقول: “نظرا لرفض العقيد شعباني لهذا القرار الخاص الناحية العسكرية الرابعة (بسكرة سابقا)، كانت محاولات لإقناع العقيد للعدول والتراجع عن قراره، لكن دون جدوى، ومن بين هذه المحاولات تلك التي قام بها العقيد طاهر زبيري والرائد عمار ملاح، كان لنا اتصال سري مع العقيد شبعاني مصحوبا بالملازم إبراهيم بروال، وهذا بقرية شمال شرق بسكرة، وأضاف الرائد عمار بالقول: “حاول العقيد الطاهر زبيري إقناع العقيد شبعاني بالعدول عن قراره ومرافقته إلى الجزائر العاصمة للعمل معا في قيادة الأركان العامة للجيش الوطني الشعبي، لكن هذه المحادثات السرية التي لم يكن يعلم بها بومدين لم تكن لها أي نتيجة، وبقي العقيد شعباني متصلبا في موقفه، من خلال إصراره على البقاء في الناحية الرابعة بسكرة.

سيناريو القبض وإعدام أصغر عقيد في الجزائر

الضباط

ويؤكد الرائد عمار ملاح في الجزء السادس من كتابه حول شهداء ومجاهدي منطقة الأوراس، أنه في شهر جوان كان آخر إنذار للعقيد محمد شعباني، وبأمر من بومدين، مضيفا أنه ذهب رفقة الرائد عبد الرحمان بن سالم إلى بسكرة للقاء شبعاني، لكن هذا الأخير لم يتراجع عن قراره، ما جعل الرائد عمار ملاح يصارحه بالقول: “إذا لم تذهب إلى الجزائر العاصمة غدا سيكون الهجوم عليك وعلى الجيش الذي تحت قيادتكم، وأمام إصرار العقيد شعباني على قراره، فقد تحركت الوحدات العسكرية المضادة للعقيد محمد شبعاني حسب البرنامج العسكري وعلى المحورين المذكورين، وتم إلقاء القبض على شعباني وبعض الضباط التابعين له، وزجوا في سجن سيدي الهواري بوهران، حيث حكم على محمد شبعاني بالإعدام في محكمة عسكرية، وفي الحين نفذ عيه الحكم. وذلك يوم 3 سبتمبر 1964. وعمره لا يتجاوز 30 سنة.

طموح شعباني في بناء دولة لا تكون في حاجة إلى فرنسا

 شعباني

يعد العقيد شعباني من مواليد 4 سبتمبر 1934 بمنطقة أوماش ببسكرة، درس في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى مدينة بسكرة لمواصلة تعليمه، وفي سنة 1950 انتقل إلى معهد عبد الحميد بن باديس بقسنطينة، ومع اندلاع الثورة كان من الأوائل الذين دشنوا العمليات الأولى، وأصبح كاتبا مساعدا لسي الحواس في منطقة الصحراء، ثم تدرج في الرتب المسؤوليات، وبعد استشهاد العقيد سي الحواس خلفه على رأس الولاية السادسة، وكان له دور في توسيع العمليات العسكرية في الجنوب الكبير، خاصة بعد اكتشاف البترول وسعي فرنسا إلى سياسة فصل الصحراء. ويحتفظ المهتمون بمسيرة العقيد شبعاني بالخطاب  الذي ألقاه يوم 13 أفريل بمدينة أمدوكال ببريكة، أثناء توقيف القتال، حيث أعطى رأيه في بناء دولة لا تكون في حاجة إلى فرنسا ولا إلى ضباط فرنسا، وفي هذا يقول في خطابه: “أردّد لك أيها الشعب الكريم في هذه المناسبة ما قاله النبي العظيم محمد بن عبد الله بعد جهاد طويل وكفاح شاق.. إننا رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. هذه هي (الكلمة) التي أردّدها لك أيها الشعب، إننا اليوم إذا حققنا الانتصار العسكري، إنما نحقق الجهاد الأصغر، وإننا لم نحقق بعد الجهاد الأكبر. وجهادنا الأكبر، هو جهاد النفس، فلنحارب جميعا نفوسنا، فالنفس أمارة بالسوء، ولنحارب الصفات السيئة، الصفات التي تدعُ إلى الانفصال، وتدعُ إلى الإقليمية، وتدعُ إلى العنصرية، وتدعُ إلى تبجيل طبقة على طبقة، ومحاربة أصحاب الفتن والدعوة إلى الوحدة، والدعوة إلى التضامن، والدعوة إلى الالتفاف حول الجيش، والدعوة إلى الالتفاف حول الحكومة؛ وتنفيذ أوامر الحكومة، وأوامر الجيش، والأمل في بناء المستقبل… بناء الدولة الجزائرية. وفي السياق ذاته يشير الى مسؤوليات جميع الأطراف في بناء الدولة، وقال خلال أول اجتماع مجلس الولاية السادسة بتاريخ 21 أفريل 1962: “مهما كانت مسؤولية الفرد، وبلغ من زعامة، فلن يستطيع أن يعرف قيمة الشعب، ولا حقوقه والدفاع عنه، إلاّ من تعب وذاق البؤس. لن يعرف قيمة الجزائر، إلا من تعب وذاق البؤس من أجلها ، لن نسلّم الراية ونسمح ليد العملاء بالدخول، إلاّ إذا متنا. لا أقول لكم هذا كي تنعتوننا بأننا مسؤولين، وإنما لكي تعلموا بأننا خدمٌ لهذا الشعب، وحراس أمناء على استقلاله.

مكانة شعباني بين رفاقه وحساسيته من ضباط فرنسا

ويحظى العقيد محمد شبعاني بثقة رجالاته والمجاهدين الذين كانوا الى جانبه في الولاية السادسة، حيث يقول عنه رفيق دربه الرائد عمر صخري: “قام شعباني بمعارضة قرار بومدين، وبشدّة، بعد قبول هذا الأخير بـ “القوة الثالثة”، التي أرسلها ديغول من أجل تولّي الأمور العسكرية والإدارية للبلد، وطالب بتطهير الجزائر من هذه “القوة”. كان شعباني يدعو إلى إسناد المسؤوليات في الجيش إلى قيادة جيش التحرير و يرفض تعيين الضباط الفارين من الجيش الفرنسي بل كلن يرى في تعيين الرائد شابو كأمين عام لوزارة الدفاع استفزازا للثوار”، وهو الكلام الذي يتطابق مع خطاب شعباني يوم 4 أوت 1962 ببسكرة، حين قال: “إنّ الاستقلال، لا يمكن أن يتحقق، ولا يمكن أن تدعّم ركائزه إذا لم يكن هناك جيشا وطنيا قويا مثل جيش التحرير، ليحمي حقوق الشعب، ويحمي مبادئ الثورة، ويحمي هذا الاستقلال… أبدا، لن يكون هناك استقلال، ولن تكون هناك مبادئ، ولن تكون هناك حرية بدون جيش وطني قوي يحمي هذه الحقوق، ويحمي هذه المبادئ. ويقول المجاهد الطاهر لعجال في تصريحات سابقة: “من فرط حساسية محمد شعباني من الضباط “الفارين” كان يرفض حتى الحديث معهم. وممّا أذكره، أنه، كلما كلمه “شابو – الأمين العام لوزارة الدفاع- ” مهما كان الحال بالهاتف، كان لا يرد عليه، و يطلب من بومدين أن يكلمه مباشرة إن أراد شيئا منه”.

59 سنة تمر والتأسف يلاحق الموالين والمعارضين

ويبقى إعدام العقيد شعباني من بين القضايا التي لا تزال تصنع الجدل وتخلف الكثير من ردود الأفعال في الأوساط الشعبية والرسمية، وسط أجواء تصب في خانة التأسف وسط الموالين والمعارضين على حد سواء، بدليل تصريحات الرئيس الراحل بن بلة لقناة الجزيرة مطلع الألفية، وحرص الشاذلي بن جديد خلال فترة حكمه على رد الاعتبار للعقيد شعباني وبقية العقداء الذين تمت تصفيتهم، وتفضيل أطراف محل اتهام لخيار الصمت، في الوقت الذي أكد الرائد عمر صخري عام 2006 بأوماش، بمناسبة الذكرى ال42 لاغتيال شعباني، بأن هذا الأخير هبة ربانية تعرضت إلى مؤامرة شيطانية… وحسب قوله “بتحطيمه لمؤامرة الخائن بلونيس ودفاعه عن الجنوب، تم حبك تلك المؤامرة قبل توقيف القتال”. فيما يقول المجاهد سي موسى عيساني: “شعباني لم يكن قائدا عاديا، بل إنسانا فوق ما تتصور من النزاهة و الأخلاق و الوطنية، هو ثوري نادر جدا، قتل ظلما من أجل السلطة التي لم يفكر فيها يوما، بل آمن بجزائر الإسلام و العروبة”، فيما يتساءل الرائد عمار ملاح بالقول: “أيعقل أن ينفذ فيه الحكم ويعدم وفي الحين، إنه مجاهد وأصغر صاغ ثاني في جيش التحرير الوطني، وأصغر عقيد في جيش التحرير الوطني الشعبي، ضحى بشبابه في سبيل الوطن لرفع عمله خفاقا بين الأمم”.

مقالات ذات صلة