جواهر

هكذا شجع الإسلام على الزواج؟!

انتقاء: نجاة. ش
  • 32108
  • 15
ح.م

يمكن تحديد المنهج الإسلامي في التشجيع على الزواج باعتباره النواة الأولى لتكوين الأسرة المسلمة أُسلوبي الترغيب على الزواج والترهيب من تركه الواردين في الكتاب الكريم والسنة المطهّرة.

أولاً: أُسلوب الترغيب

قال تعالى: ( وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ ) (1). 

فهذه الآية تدل على أمرٍ إلهي في التشجيع على الزواج والوعد بتذليل العقبات الاقتصادية التي تعتريه. 

كما كشف لنا القرآن الكريم ـ وفي معرض الامتنان على البشرية ـ عن أنّ الزواج آية من آياته الرحمانية التي تعمُّ جميع الناس، سواء منهم المسلم أو الكافر، ينعمون من خلاله بالسكينة والاطمئنان في أجواءٍ من المودة والرحمة، فقال عزَّ من قائل: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أنفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذلِكَ لأَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (2). 

وإذا طالعنا السُنّة المباركة نجد أنَّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد وضّح لنا الرغبة الالهية للبناء الاسري القائم على أساس الزواج وله صلى الله عليه وآله وسلم: « ما بني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله من التزويج »(3) 

وحرص صلى الله عليه وآله وسلم على إبراز المعطيات الإيجابية للزواج تشجيعاً للشباب من أجل الإقدام عليه عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: « يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباه فليتزوج، فإنّه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج..» (4). 

وبصرف النظر عما ورد في النقل ـ من آيات وروايات ـ بخصوص الترغيب في الزواج فإن العقل يحكم بضرورته لكونه السبب المباشر وراء تشكيل أول خلية اجتماعية، هي الأسرة، التي ترفد المجتمع بأفراد صالحين يسهمون في بنائه وتطويره وفق أُسس سليمة بعيدة عن أسباب الانحراف والابتذال. 

كما أنَّ الزواج من السنن الاجتماعية التي لم تزل دائرة في تاريخ النوع الإنساني إلى هذا اليوم، وهو دليل على كونه سنة فطرية حافظت على بقاء النوع الإنساني؛ ذلك لأن الأنواع تبقى ببقاء نسلها، ناهيك عن أنّ الذكر والأنثى مجهزان بحسب البنية الجسمانية بوسائل التناسل والتوالد.. وكلاهما في ابتغاء ذلك شرع سواء، وإن زيدت الأنثى بجهاز الإرضاع والعواطف الفطرية الملائمة لتربية الأولاد، وقد أودع تعالى كلا الجنسين غرائز إنسانية تنعطف إلى محبة الأولاد ورعايتهم، وتنقضي بكون كلّ منهما مسكناً للآخر، وبلزوم تأسيس البيت، إذن فالفحشاء والسفاح الذي يقطع النسل ويفسد الأنساب أول ما تبغضه الفطرة الإنسانية القاضية بالنكاح (6).

 وممّا يدل على أن الزواج أمر فطري قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « من أحبّ فطرتي ، فليستنَّ بسنتي ، ومن سنتي التزويج » (7).

 

وعليه فالزواج يقف سداً منيعاً يحول دون الانحراف الجنسي، وهو من أفضل الوسائل الوقائية التي تحصن الناس من الانزلاق إلى هاوية الرذيلة، وبالتالي الوقوع في الفتنة. 

ولم يكتف الإسلام بتشجيع الشباب من الجنسين على الزواج، بل دعا المسلمين إلى تحقيق أعلى درجة من المشاركة والتعاون ومد يد العون لكلِّ من تضيق يده عن تهيئة الوسائل اللازمة للزواج، ووعد كل من يساهم في هذا العمل الخيري بالثواب الجزيل، وثمة شواهد نقلية على هذا التوجه، منها.

 

وفي هذا الإطار ملحة لتوسيع المشاركة الاجتماعية في هذه القضية الحيوية دفع المسلمين للقيام بدور الوساطة بين الشباب المؤهلين للزواج وفتح قنوات الاتصال والتعارف بين عوائلهم وكذلك مدّ جسور الفهم والتفاهم بين العروسين، وهي أمور لابدّ منها حتى يكون الزواج عن قناعة ورضا وطيب نفس، وعلى نحو مدروس، وليس قراراً ارتجالياً قد تترتب عليه عواقب لا تحمد عقباها.

 

ثم إنّ الوسيط أو الشفيع يساهم مساهمة فعّالة في تذليل الصعوبات ورفع الموانع والعقبات التي تعترض الجانبين، ومن أشاد أمير المؤمنين عليه السلام بدور الشفيع أو الوسيط فقال: « أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح، حتى يجمع شملهما » (11). 

المعطيات الإيجابية للزواج : 

ومن ضمن أُسلوب «الترغيب» نجد من خلال نظرتنا الفاحصة للنصوص أنّ الإسلام يبرز ـ بوضوح ـ المعطيات الإيجابية للزواج، ويمكن تبويبها في النقاط التالية: 

  1 ـ الدخول في ولاية الله:

فلاشك أنّ من أقدم من الشباب على الزواج أو من قدّم خدمة في هذا الشأن، امتثالاً لأمر الله تعالى، ورغبة في رضاه، سوف يدخله الله تعالى في ولايته، وقد ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: « من نكح لله وأنكح لله استحق ولاية الله » (12).

ويفهم من ذلك بالدلالة الالتزامية أن من يُحجم عن الزواج بدون سبب شرعي، أو من يضع العراقيل في هذا السبيل، فسوف يكون أقرب إلى ولاية الشيطان. ولعل ذلك ما يفسر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: « أيّما شاب تزوج في حداثة سنّه عجّ شيطانه: يا ويله! عَصَمَ مني دينه » (13).

2 ـ امتثال سُنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

وهي سُنَّة هادية راشدة تدفع من عمل بها نحو الصلاح، وتؤدي إلى الفوز والفلاح ، وقد تجسدت بأقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العديدة، التي حث فيها الشباب على نبذ حياة العزوبية، كما جسدت في أفعاله، فقد تزوج مرات عديدة، وزوج بناته أيضاً، كما تمثلت في تقريره، فلم يكتف بالسكوت عمن يتزوجون، بل كان يسأل أصحابه ومن يحيط به عن أخبار الزواج ، فيبارك لمن تزوج منهم ويدعو له، كما ويسأل العزاب منهم عن سبب عزوفهم عن الزواج، ويحاول حل مشاكلهم ويشفع أو يتوسط لتسهيلها، وقد زوج « جويبر» مع فقره المدقع من « الزلفاء » مع ما هي فيه من الجاه والثراء.

فالزواج ـ إذن ـ إضافة إلى أنّه آية ربانية فهو سنّة نبوية يتوجب اتباعها، والعمل بها، قال صلى الله عليه وآله وسلم: « النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني.. » (14).

3 ـ إكتساب الفضيلة العالية:

فالمتزوج أفضل عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الأعزب درجةً، وأجزل ثواباً، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: « المتزوج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العزب » (16).

ولعلَّ الوجه في هذا التفاضل أنّ الأعزب يكون عرضة لضغط الغريزة الجنسية فيشغل الجنس حيزاً كبيراً من تفكيره ويكون محوراً لاهتمامه، الأمر الذي ينعكس ـ سلباً ـ على عبادته، التي تكتسب فضيلتها وكمالها من التوجه الكلي نحو المعبود، والابتعاد عمّا سواه.

4 ـ الطهارة المعنوية:

فممّا لا ريب فيه أنّ الزواج عامل مساعد على التطهّر من الآثام كالزنا واللواط وسائر أشكال الانحراف عن الطريق المستقيم، ومن أجل ذلك قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « من سرّه أن يلقى الله طاهراً مطهّراً، فليلقه بزوجة صالحة » (20).

فالزواج هو الطريق الطبيعي لرفد الاُمة بعناصر شابة، تجدد حيويتها، وتقوم على أكتافهم نهضتها وصيرورة تقدمها، ولذلك نلاحظ أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أفصح أكثر من مرّة عن رغبته في كثرة أفراد أمته، ومن ذلك قوله: « تناكحوا تكاثروا فإنّي أُباهي بكم الاُمم يوم القيامة حتى بالسقط » (21).

5 ـ زيادة الرزق وحسن الخلق:

لقد طمئن الله تعالى الذين يخشون الدخول في عش الزوجية خوفاً من الفقر وما يوجبه من النفقة، قائلا: (وأنكِحُوا الأيامَى مِنكُم والصَّالِحينَ مِنْ عِبَادِكُم وإمائكُم إن يكُونُوا فُقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ واللهُ واسعٌ علِيمٌ ) (22).

( وهو وعد جميل بالغنى وسعة الرزق، وقد أكّده بقوله ( واللهُ واسعٌ عليمٌ ) والرزق يتبع صلاحية المرزوق بمشيئة من الله سبحانه ) (23).

وفي حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ما يقشع غيوم الهموم التي تتراكم في النفوس خوفاً من أعباء الزواج، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: « التمسوا الرزق بالنكاح » وأيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم: « تزوَّجوا النساء، فإنهنَّ يأتين بالمال » (24).

وفي حديث ثالث يكشف لنا فيه عن معطيات اُخرى معنوية للزواج إضافة إلى المادية عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: « زوّجوا أياماكم (25) فإنَّ الله يُحسن لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّاتهم » (26).

ثانياً: أُسلوب الترهيب

وبالإضافة إلى أُسلوب « الترغيب » الذي أشرنا إليه، فقد اتّبع الإسلام أُسلوب التنفير من العزوبة والتحذير من عواقبها، من أجل كسر أسوار العزلة، وقطع الطريق على الذين يخلعون حزام العفة، ويريدون التنصّل من المسؤولية الاجتماعية، فالملاحظ أنه يشنّ على هؤلاء حملات شديدة، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: شراركم عزّابكم، وأراذل موتاكم عزّابكم (28).

فالامتناع عن الزواج بلا عذر صحيح مذموم ومكروه، ويجعل الفرد في زمرة المذنبين، ويقرّبه من دائرة الشيطان، إذ لا رهبانية في الإسلام كما هو معلوم، ومن الشواهد على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سأل رجلاً اسمه عكّاف : « ألك زوجة؟ قال: لا يا رسول الله، قال: ألك جارية؟ قال: لا يا رسول الله؟

قال: أفأنت موسر؟ قال: نعم. قال: تزوّج وإلاّ فأنت من المذنبين ». وفي رواية « تزوّج وإلاّ فأنت من إخوان الشياطين » (29).

ولقد بلغ الترهيب والتحذير لمثل هؤلاء الممتنعين عن التزويج مخافة العيلة إلى أقصى حدوده حين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منّا » (30).

مقالات ذات صلة