رياضة
مأساة حفلة سولكينغ تعيد إلى الذاكرة كارثة الكرة

هكذا هلك 11 مناصرا في ملعب 20 أوت أمام أنظار ماجر ورفاقه

الشروق الرياضي
  • 10977
  • 9
أرشيف
ملعب 20 أوت 1955 ببلوزداد

أعادت حادثة مقتل خمسة شباب في ملعب 20 أوت أو العناصر سابقا بالجزائر العاصمة إلى الأذهان أحداث مؤسفة وقعت في هذا الملعب وأعادت السؤال الذي يطرحه الجزائريون دائما من محبي لعبة كرة القدم، عن سبب بقاء هذه الملاعب العتيقة التي من المفروض أنها أغلقت أبوابها وصارت متاحف أو مساحات خضراء في عاصمة جزائرية لا شيء فيها غير الإسمنت من يسيطر على أحيائها العتيقة، والملاعب المعشوشبة اصطناعيا فقط وغالبيتها قديمة جدا وما عادت صالحة.

أنجز ملعب 20 أوت في عهد الاستعمار الفرنسي على نفس الهيئة الحالية في سنة 1930، أي أن عمره قارب القرن من الزمان، ومنذ تدشينه وهو مجهز لاستقبال قرابة 8 آلاف متفرج فقط، وكان مرتعا لرياضة الدراجات حسب الساعة، ويمكن للمشاهد رؤية جانب متزحلق قرب المدرجات، وفي ألعاب البحر الأبيض المتوسط سنة 1975 التي احتضنتها الجزائر العاصمة وفي الألعاب الإفريقية سنة 1978، التي احتضنتها أيضا الجزائر جرت منافسة التتابع حسب الساعة للدراجات في هذا الملعب، وكانت الجزائر تضم أبطالا لا بأس بهم في الدراجات وعلى رأسهم حمزة مجيد، كما أن الملعب كان أهم ما تركت فرنسا من ملاعب، استعملها الجزائريون بعد الاستقلال، رفقة بولوغين والقبة في الجزائر العاصمة، وبقي الملعب الذي تستقبل فيه الجزائر ضيوفها الكبار قبل تدشين ملعب 5 جويلية في سنة 1972 في عهد الرئيس هواري بومدين الذي صار بيتا خاصا بالمنتخب الجزائري وقد يبقى في المستقبل القريب.

لعب “الخضر” في هذا الملعب العديد من المباريات التي لا تنسى بعد الاستقلال، حيث فازوا أمام ألمانيا بهدفين نظيفين، ولعبوا أولى مبارياتهم الرسمية في هذا الملعب بتاريخ، 27 ديسمبر 1964 أمام تونس وفازوا عليها بهدف نظيف في تصفيات الألعاب الإفريقية، ولم يخسر “الخضر” على مدار 10 سنوات بعد الاستقلال في هذا الملعب سوى مرتين أمام منتخب تونس في مباراة رسمية وأمام نادي نانت الفرنسي في مباراة ودية، وفازوا على العديد من المنتخبات وسجلوا تعادلات أمام المغرب ومصر وغيرهما من المنتخبات إلى أن لعبوا آخر مباراة في هذا الملعب العتيق بتاريخ 21 مارس 1971 أمام مالي وتعادلوا بهدفين في كل شبكة ضمن تصفيات أولمبياد ميونيخ وخرجوا من المنافسة التي جرت في 1972 في ألمانيا الغربية.

زار الملعب العتيق الرئيس أحمد بن بلة في أولى نهائيات كأس الجزائر وزاره هواري بومدين في نهائيات ما قبل 1972، نجت الجزائر من كارثة حقيقية فالملعب الصغير الذي من المفروض أن لا يدخله أكثر من 8 آلاف مناصر، اقتحمه أكثر من 25 ألف مناصر تابعوا اللقاء على هامش التماس وفوق سطحه، وكاد أن ينهار خاصة أن غالبية المناصرين من عشاق شباب بلكور الذي ضم نجوم خالدين هم لالماس وكالام وعبروق وعاشور وعمار وبوجنون، الذين فازوا بخماسية مقابل ثلاثة في مباراة هي الأحسن في تاريخ نهائيات كأس الجزائر التي حضرها الرئيس الراحل هواري بومدين.

منذ أن أنجز ملعب 5 جويلية في صيف 1972، واحتضن نهائي الكأس بين اتحاد العاصمة وحمراء عنابة الذي فاز به أبناء بونة بهدفين مقابل صفر، صار الملعب يحتضن لقاءات “الخضر”، وصار ملعبا للقليل من الأندية وعلى رأسها شباب بلكور وأولمبي العناصر وفي الفترة الأخيرة صار يستقبل فيه نصر حسين داي، وفرق أخرى وهي كثيرة جدا في أفقر عاصمة في العالم من حيث ملاعب الكرة.

اختيار هذا الملعب لاستقبال حفل سولكينغ أثار الدهشة ومع ذلك لا أحد منع ذلك، وفي الأذهان ما حدث في 26 نوفمبر من سنة 1982، حيث عاد “الخضر” من إسبانيا بعد مشاركة أسطورية هي الأولى في منافسة كأس العالم إذ فازوا بهدفين مقابل هدف أمام بطلة أوروبا ألمانيا الغربية، وفازوا أمام الشيلي بثلاثية مقابل هدفين، وخسروا قبل ذلك أمام النمسا بهدفين نظيفين، وكان من مهندسي هذه النتائج الرائعة عدد من لاعبي نصر حسين داي مثل رابح ماجر ومحمود قندوز وشعبان مرزقان وكان على خط التماس علي بن الشيخ اللاعب السابق لمولودية العاصمة وحارس النصرية ياسين بن طلعة، وبعد خمسة أشهر من المونديال استقبلت النصرية جارها المولودية في مباراة قمة عاصمية، كان ضمن نجومها آيت الحسين ومرزقان وخاصة رابح ماجر من جانب النصرية وبن الشيخ وزنير وبويش ناصر والحارس آيت موهوب من جانب المولودية، ولم يستطع ملعب 20 أوت استقبال عشرات الآلاف من المناصرين الذي صعدوا فوق سطح مدرجاته المغطاة، فانهار السطح قبل بداية المباراة ومات 11 مناصرا وأصيب قرابة مئة مناصر بجروح خطيرة ومنهم من صار معاقا عن الحركة، وكانت هذه أكبر وأول مأساة كروية حدثت في الجزائر، وفي السنة التي بعدها وفي نفس الملعب في خريف 1983، خلال استقبال شباب بلكور لفريق اتحاد عين البيضاء سقط على الأرض اللاعب الدولي حسين بن ميلودي وغابت سيارة الإسعاف عن الملعب وتوفي اللاعب ولم يكن قد بلغ سن الـ 27 وهو لاعب نجم شارك في نهائي كأس أمم إفريقيا سنة 1980 في لاغوس في نيجيريا وقذف كرة في القائم.

عيب على جزائر 2019 أن تبقى تستغل ما أنجزه الاستعمار في عالمي الفن والرياضة، وحرام أن يبقى شبابها من عاشقي الكرة والفن يدفعون الثمن من حياتهم.
ب.ع

مقالات ذات صلة