الرأي

هل‮ ‬نغيّر‮ ‬الأوضاع‮ ‬أم‮ ‬نغيّر‮ ‬الوطن؟

محمد يعقوبي
  • 3536
  • 13

ننتقد ما نشاء الأحزاب المشاركة في الانتخابات ونقول عنها أكثر مما قاله مالك في الخمر، لكن في النهاية لا يسعنا إلا أن نعترف بأن هذه الأحزاب الأربعين (أو أكثر) هي جزائرية وتمثل الجزائر وإفراز (أحيانا طبيعي وأحيانا أخر غير طبيعي) لبعض قطاعات المجتمع، وتستوعب غالبية تياراته وحساسياته، ولدى بعضها وعي بتحديات الحاضر والمستقبل، وفيها ومنها وبينها من هو أفضل عشرات المرات من النظام القائم، أو لنقل أن أسوأها وأكثرها رداءة لن يكون بالتأكيد أكثر بؤسا وشقاء من منظومة الحكم القائمة على الضعف والفساد والاتكالية (على النفط) والإقصاء، ويكفي أننا لم نجربها حتى نحكم عليها بالفشل أو ندعي أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، بل علينا أن نعترف أن المشهد السياسي القائم على ضعفه هو الجزائر بمشاكلها وترهلها وتناقضاتها وتراجعاتها وطموحاتها وإخفاقاتها ونجاحاتها، ولن نستورد بالتأكيد أحزابا من أوروبا لنقول أننا أمام انتخابات حقيقية وبدائل قوية للنظام القائم.. هذه هي الجزائر في ملامح جاب الله وأويحيى ولويزة حنون وعمارة بن يونس ورباعين وبوشرمة ونعيمة صالحي وأبو جرة وزغدود.. وكل أولئك الذين نشاهدهم يتداولون على شاشة التلفزيون خطبا وتنظيرا علينا أن نعترف أن هؤلاء جميعا سيشكلون المشهد السياسي الجزائري بكل أبعاده وتياراته وتناقضاته، باستثناء غياب من أقصاهم النظام بحجة الانتماء سابقا للحزب المحظور، وفي ماعدا هؤلاء الغائبيون المغيبون فإن التشكيلات السياسية المتوفرة هي أقصى ما يمكن أن يتوفر سياسيا للبلاد، فيهم الإسلامي المتشدد وفيم الإسلامي العتدل، وفيهم العلماني، وفيهم أصحاب الخبرة وفيهم أصحاب الطموح، وفيهم الليبراليون وفيهم الاشتراكيون، وفيهم أصحاب المشاريع والأفكار وفيهم أصحاب المال والشكارة، وفيهم أصحاب الشهادات والتخصصات، وفيهم أيضا الأميون ثقافة وعلما‮ ‬وخبرة،‮ ‬لكن‮ ‬في‮ ‬النهاية‮ ‬هي‮ ‬الفسيفساء‮ ‬التي‮ ‬تعبر‮ ‬عن‮ ‬الجزائر‮ ‬مثلما‮ ‬هي‮.‬

نقول هذا الكلام، لأن التشاؤم اجتاح البلاد والعباد، وكاد يحبط حتى المتأملين خيرا في مستقبل هذا الوطن، وانسقنا جميعا نجلد الأحزاب والسلطة، حتى خيل لبعضنا أن البلاد خلت من رجال الخير والعطاء، وسقطت في أيدي العصابات السياسوية والمالية، ولم يعد من الممكن إسعافها أو إخراجها إلى بر الأمان، وهي في الحقيقة صورة قاتمة ساهمنا جمعيا في رسمها، ما جعل الجزائريين جميعا يعزفون عن التفاعل مع الانتخابات بحجة أن الأحزاب ضعيفة وانتهازية، والسلطة محتالة وفاسدة، والحكومة فاشلة، والوزراء خونة للأمانة مما يحتم علينا مقاطعة هؤلاء جميعا‮ ‬إلى‮ ‬حين؟‮!‬

ومع الأسف كون هذه التوصيفات حقيقة ماثلة للعيان، يجعلنا جميعا متشائمين حيال الانتخابات، لكن سؤالا بسيطا يمكنه أن يجعلنا نقف لحظات أمام المرآة لنسأل السؤال الصعب الذي يتحاشاه الداعون إلى المقاطعة والمتطرفون فيها، هو ماذا ستستفيد الجزائر من هذه المقاطعة؟ غير المزيد‮ ‬من‮ ‬الانتظار‮ ‬والحلول‮ ‬المؤجلة‮ ‬والوقت‮ ‬الضائع،‮ ‬ماذا‮ ‬سنجني‮ ‬إذا‮ ‬قاطعنا‮ ‬الانتخابات‮ ‬سوى‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬اليأس‮ ‬والقنوط‮ ‬ونمد‮ ‬في‮ ‬عمر‮ ‬نظام‮ ‬الحكم‮ ‬بكل‮ ‬تركيباته‮ ‬السلبية‮ ‬والإيجابية؟

هل‮ ‬علينا‮ ‬أن‮ ‬نغير‮ ‬وطننا،‮ ‬لأننا‮ ‬لسنا‮ ‬راضين‮ ‬عن‮ ‬40‮ ‬حزبا‮ ‬مشاركا‮ ‬في‮ ‬الانتخابات،‮ ‬أم‮ ‬سنساهم‮ ‬في‮ ‬فرزها‮ ‬وغربلتها‮ ‬للحصول‮ ‬على‮ ‬التشكيلات‮ ‬والرجال‮ ‬القادرين‮ ‬على‮ ‬الإمساك‮ ‬بزمام‮ ‬الأمور‮..‬

ولعلنا عشية 10 ماي أمام منعرج خطير واختياران لا ثالث لهما، إما أن نغير وطننا ونبحث عن وطن آخر (هذا مستحيل)، أو أن نغير أوضاعنا نحو الأحسن ونساهم في الفرز الوطني، بإحالة الفاشلين على التقاعد وفسح المجال للطاقات الجديدة حتى ولو لم تكن في المستوى المطلوب.

مقالات ذات صلة