جواهر

هل أزوج ابنتي بدون موافقة والدها؟

جواهر الشروق
  • 4797
  • 28
ح.م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

جزاكم المولى عظيم الجزاء لما تقدموه من استشارات ونصائح تفرج هم المكروبين، جعلها الله في موازين حسناتكم.

أنا أم لخمس من البنات وأربعة من الأولاد، من أسرة طيبة ولله الحمد، ولكنها تعني وتأخذ في الاعتبار الحسب والنسب الرفيع عند الزواج، وخاصة أن محيط العائلة من الأقارب والأصدقاء يعتبرون زواج المرأة من غير مستواها الاجتماعي والطبقي أمر عظيم وخطأ  لا يغتفر.

فمن هنا تحدث بل وحدثت العديد من الخلافات الكبيرة، والتي وصلت إلى أمور صعبة جدا تكاد تفرق الأسرة وتشردها، فأنا أعلم مدى جاهلية هذا الوضع وعدم صوابه، ولكن ما باليد حيلة، فالأب والإخوان وجميع من بيده السلطة معتز ومصر على هذا الشرط للزواج.

المشكلة ابنتي الكبيرة والتي تبلغ من العمر 26 سنة تقدم لها شاب بصفات حسنة وطيبة لا غبار عليها، وقد تعلقت به خاصة أن أهله يكثرون من المكالمات والسؤال والوصل في جميع الأحوال، لكن ليس من المستوى الاجتماعي المطلوب.

والدها رافض هذه الزيجة، حيث وأنا أرى رفضه مصيبة خاصة بظروفنا الحالية، فالشاب لن يتخلى عن أهله وعصبته من أجل شخص، وحتى إن تخلى وقبل فهو بذالك سوف يصنع العداء له ولابنته ولنا جميعا بسبب الأسرة والعائلة المتزمتة.

البنت متعلقة بالموضوع خاصة لأنها أكبر البنات، ومن دونها من أخواتها تزوجن، وهي تنظر لنفسها بأن قطار الزواج قد مضى، وترى بأنها فرصة لن تعود.

تقدم الشاب وأسرته لي أنا، وقام بخطبتها عبر الهاتف لسكنه في مدينة أخرى، وطلب رقم والدها، إلا أن الوالد يتهرب من الرد عليه لدرجه انه يغلق هاتفه بعد العودة من دوامه تهرباً من الموضوع.

وأم الشاب في حال اتصال وسؤال دائم عن الرد، وكذلك الشاب، ماذا على أن افعل؟ كيف أتصرف وأتحدى الزمان ؟؟ ما الحيلة ؟؟ والله إني في حال لا يعلم به إلا الله، فهم البنات إلى الممات، وأريد أن افرح بها قبل أن يأخذ المولى أمانته.

أم عبد الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد:

أختي الكريمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بداية أهلاً وسهلاً بكِ على صفحات جواهر الشروق، والله أسأل أن يصلح أحوالكم لما فيه الخير والصلاح والتقوى، فقد تألمت كثيراً عندما قرأت رسالتكِ، وطبعاً شعرت بإحساسك كأم تتمنى أن ترى بناتها في سعادة وهناء، فالله أسأل أن يتمم سعادتكِ بسعادتهن جميعاً، وأن يكتب لكِ عمراً مديداً في طاعته عز وجل.

انفضي عن ابنتكِ قناعتها بأن قطار الزواج قد فاتها، فحتى إن كبر بها السن في مجتمع تتزوج فيه الفتيات في سن أصغر، فالله وحده هو الذي يقدر المقادير، فلا داعي لهذا الانزعاج، حتى لا تهتز ثقتها في نفسها وفيمن حولها، وحتى لا تشعر يوماً بكره والدها لأنه كان سبباً في ذلك.

وتحدثي معها دائماً بأن الزواج رزق من الله تماماً مثل العمل والمال والطعام، وكل مكتوب له رزقه فقد قال تعالى “وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ” بل أن الله سبحانه وتعالى قد أقسم على ذلك فى الآية التى تليها وقال وَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ”. وقال رسولنا الكريم “وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا ينال ما عنده إلا بطاعته”.

للأسف أختي كثيراً ما تحكمنا بعض العادات والتقاليد الخاطئة، ولا نستطيع التخلي عنها خوفاً من حديث الناس وخوفاً من المجتمع، رغم علمنا بأنها تضرنا أكثر مما تنفعنا، والثورة أحياناً على هذه العادات والتقاليد قد تكون كالبركان الذي يحرق كل ما حوله، لذلك يجب أن نتحايل على هذه العادات البالية بالرفق لا بالعنف.

وقبل أي شيء فكري مع نفسكِ ملياً هل فعلاً المستوى الاجتماعي بينكم وبين الشاب وأهله ليس كبيراً وليس مؤثراً، فقد تود الفتاة الزواج وتختار شاباً تراه مناسباً دون التفكير في مسألة التوافق الاجتماعي والمادي والثقافي، ثم يكون ذلك سبباً لمشكلات كبيرة بعد الزواج، فالقبول النفسي والارتياح بين الشاب والفتاة عامل هام لنجاح العلاقة بينهما بعد الزواج، لكن يأتي التكافؤ بينهما ليكون أحد العوامل الرئيسية التي يجب أن تراعى، ليكون شعور الزوجة بتميز زوجها عنها، وبالتالي تأتي القوامة، باحتوائه لها وقوامته النفسية عليها، فشعور الزوجة لو للحظة أن زوجها أقل منها في شيء، فهذا بداية انهيار حياتهما الزوجية.

وكما وضحت لكِ أن المقصود بالتكافؤ هنا ليس التطابق ولكن مجرد التقارب، فانظري لقوله عليه الصلاة والسلام: ثلاث لا تؤخر، وهن الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيم إذا وجدت كفؤا”. وضح الرسول صلي الله عليه وسلم في الشطر الأخير من الحديث شرطا ثالثا – خلاف الدين والخلق – لنجاح الزواج وهو الكفاءة بين الزوجين.

وعليكِ أن تعلمي أختي أن الشعور بعدم التوافق إذا تملك الزوج قد يؤدي إلى شعوره بنقص رجولته أمام زوجته، وبالتالي شعوره بفقدان الثقة في نفسه ، ثم رغبته في الانتقام لنفسه وذلك بالسخرية والاستهزاء منها، وفي أحيان كثيرة التلويح الدائم بالزواج مجدداً ليثبت لزوجته أنه مرغوب فيه، وقد تكون المشكلة أكبر إذا كانت الزوجة تعيش في بيت أهل زوجها.

وهنا أخيتي أنصحكِ بعدة نقاط إذا تأكد أن فارق المستوى ليس كبيراً:

ـ أوقفي تواصل ابنتك مع الشاب وأهله تماماً، ولا تخبرينها عن أي تطورات تحدث بينكِ وبينهم، وذلك حفاظاً على مشاعرها ونفسيتها إذا لم يقدر الله أن يكون لها نصيباً فيه، فتعلق الفتاة بشاب تراه مناسباً لها يجعلها تبني أحلاماً كثيرة لعشها الدافئ معه بعد الزواج، وانهيار تلك الأحلام فجأة برفض الأب سوف يجعلها تمر لا قدر الله بأزمة نفسية شديدة هي في غنى عنها، وذلك سوف يجعلها تأخذ موقفاً سيئاً تجاه والدها وهذا ما لا نريده.

ـ لا تجعلي ابنتكِ تتحدث مباشرة مع والدها أو أخوتها بشأن هذا الأمر، وألا تأخذ زمام المبادرة للإقناع، لأن هذا قد يزيدهم عناداً ورفضاً، وقد يجعلها تفقد حياء العذراء ، اجعليها تفكر معكِ – وحدكِ – بصوت عالي، فالأم هي الأقرب لابنتها في احتواء مشاعرها وعواطفها، واتركي لها كل المساحة للفضفضة معكِ دون أي لوم أو عتاب.

ـ لست ممن يحبذون زواج الفتاة دون موافقة أبيها – حتى إذا حصلت على إذن من القاضي بذلك – فزواج الفتاة بموافقة أبيها وأهلها ووجوده ولياً لها وقت عقد القرآن هو منتهى السعادة والبر، لذلك عليكِ أختي أن تحاولي إقناع زوجكِ بالنظر إلى مصلحة ابنته دون هذه العادات البالية، وانقلي له برفق مشاعرها، وتحدثي معه دائماً بالعقل والمنطق أحياناً، دون إغفال محاولة التأثير على عواطفه كأب يريد أن يسعد ابنته، وحاولي ألا تجعليه يستمع لأبنائك الشباب حتى لا يكون لهم تأثير سلبي عليه.

ـ وضحي له دائماً أن ابنته حسنة التربية والبر بوالدها، ولن تخرج عن طوع أبيها مهما حدث، فهذا قد يؤثر فيه بعض الشيء إن شاء الله، ولا يترك له مجالاً للعناد.

ـ حاولي أن تتحدثي عن هذا الشاب وأهله بفخر، وحدثيه دائماً عن خلقه ودينه وطيبته وصلاحه، وأن مثل هؤلاء قد ندروا في وقتنا هذا، فعسى هذا يترك أثراُ طيباً في قلب زوجكِ وأبنائكِ الشباب تجاههم إن تمت الزيجة، فلا ينظرون لزوج ابنتكِ نظره دونية تبني حواجز الكراهية بينهم.

ومحاولة الإقناع ستأتي بشكل متدرج:

أولاً: فترة محاولة الإقناع بالحديث، وذكريه دائماً بأن الله سيسأله يوم القيامة عن رعيته، وبقوله عليه الصلاة والسلام: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” رواه الترمذي وغيره”. ولم يقل عليه السلام صاحب الحسب والنسب.

ثانياً: إن لم يجدي ذلك لا مانع أن تتعاملي معه برسمية وتوضحي له أنكِ حزينة منه لأنه قد يكون سبباً في تعاسة ابنته وتعاستكِ كأم، ولا مانع أن يرى ابنته حزينة، فهذا قد يؤثر فيه.

ثالثاً: حاولي إدخال أطراف يمكنهم التأثير عليه – لهم كلمة عليه – ليكونوا أداة ضغط.

ـ خلال فترة الإقناع فكري في أي حجة تؤجلين بها الخطبة الرسمية، لكن لا تقطعي تواصلكِ معهم، حتى لا يعتقدون أنكم ترفضونهم، وحاولي أن تضغطي على زوجكِ ليكلمهم حتى ولو كان متأزماً، فمع الوقت سيتغير بإذن الله تعالى.

ـ خلال هذا كله واظبي على الدعاء والتضرع لله عز وجل بأن ييسر لابنتكِ الخير أينما كان، وواظبي أنتي وابنتكِ على صلاة الاستخارة.. فعسى الله تعالى يكتب لها شاباً خيراً من هذا.

ـ وأخيراً أخيتي إن طال الأمر دون نتيجة فلا سبيل إلا تزويج ابنتكِ بولي غير والدها بعد الاستخارة… والله أسأل ألا يكون هذا خياركم الوحيد.

للتواصل معنا:

fadhfadhajawahir@gmail.com

مقالات ذات صلة