الجزائر
قانونيون يناقشون محاكمة مسؤولين حكوميين سابقين:

هل الجزائر قادرة على استرجاع الأموال المنهوبة؟!

الشروق أونلاين
  • 10287
  • 19
ح.م

اختلفت آراء القانونيين حول الإجراءات القانونية المتعلقة بالمتابعات القضائية الجارية بالمحكمة العليا ضد مسؤولين حكوميين سابقين، وذلك بخصوص العقوبات التي ستسلط عليهم في حال ثبوت التهم عليهم وإمكانية استرجاع الأموال المبددة، في ظل “تصميم الدولة على مواصلة تنفيذ مسار التطهير”.
وقد أكد رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، في خطابه للأمة الأربعاء بمناسبة الاحتفال بعيدي الاستقلال والشباب، “أن الدولة التي تبقى في الاستماع لمطالب وتطلعات شعبنا العميقة، مصممة حقا على تنفيذ مسار التطهير هذا بلا هوادة وفقا لقوانين الجمهورية، مع احترام مبدأ قرينة البراءة واتخاذ جميع التدابير اللازمة للتأكد من أن القرارات المتخذة إزاء رؤساء الشركات المعنية لن تمس بحقوق العمال ولن تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني”.
كما ذكر السيد بن صالح في ذات الإطار، بأن عملية التطهير الواسعة لأجهزة الدولة وتجديد تأطيرها تتزامن مع مكافحة “صارمة” لآفة الفساد وتبديد الأموال العامة، “تضطلع بها بجدية عدالة تمارس اليوم كامل مهامها وصلاحياتها”.
ويستند التحقيق المفتوح على مستوى المحكمة العليا ضد أحمد أويحيى ومن معه، على نص القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته قانونية، وتتعلق التهم الموجهة لهؤلاء المسؤولين، بعدة جنح تتراوح بين منح امتيازات للغير في مجال الصفقات العمومية والعقود طبقا للمادة 26 الفقرة 1 من ذات القانون، تبديد أموال عمومية طبقا للمادة 29، سوء استغلال الوظيفة طبقا للمادة 33 وتعارض المصالح طبقا للمادة 34 من هذا النص القانوني.
وفي هذا الصدد، يؤكد المحامي محسن عمارة أن القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد، “تم إعداده بمعايير دولية بحيث لا يترك أي مجال لتملص المدانين من العقاب”، مشيرا إلى أن “المشرع ركز في هذا القانون على كيفيات استرجاع الأموال المنهوبة وتتبع مسارها، مع تسليط عقوبات ثقيلة على المتورطين في الفساد”.
ويرى أنه “ستتم متابعة المسؤولين المتهمين، عن كل جنحة على حدى، وسيتم تسليط العقوبات حسب التهم الموجهة، بحيث يمكن أن تصل العقوبات في حق المسؤولين المتابعين بأربع جنح حسب المواد 26، 29، 33 و34 على غرار أحمد أويحيى وعبد المالك سلال إلى أكثر من 30 سنة”.
وأضاف أن الإجراءات المنصوصة فيه لا تتقادم بنص المادة 54 منه، والتي جاء فيها “دون الإخلال بالأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، لا تتقادم الدعوى العمومية ولا العقوبة بالنسبة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، في حالة ما إذا تم تحويل عائدات الجريمة إلى خارج الوطن…”.
وبخصوص المشككين في إمكانية استرجاع الأموال المنهوبة، أكد الأستاذ عمارة أن “القانون يمكن من استرداد الممتلكات عن طريق التعاون الدولي في مجال المصادرة، كما يخول للقاضي المحقق أن يطالب بالوصول إلى الحسابات البنكية للمسؤولين المتورطين في الفساد في الخارج وذلك وفق الاتفاقيات والقوانين الدولية”.
من جانبه، يرى المحامي نجيب بيطام، أن هذه المتابعات القضائية ستستغرق “وقتا طويلا” سيما بالنسبة للتهم المتعلقة بتبديد المال العام وهي “مسألة فنية تتجاوز صلاحيات القاضي المكلف بالتحقيق الذي سيعين خبيرا لتحديد قيمة المال المبدد وهو ما يتطلب سنوات من التحقيق”، متوقعا “استمرار حبس المسؤولين المتابعين بتهمة التبديد أكثر من الآخرين”.
وعن بقاء هؤلاء المسؤولين رهن الحبس الاحتياطي خلال مدة التحقيق التي قد تتجاوز عدة سنوات، قال المحامي أن هذه “المسألة تقديرية تعود للقاضي”.
وبشأن العقوبات التي قد تسلط على المتهمين الذين تثبتهم إدانتهم، فأكد الأستاذ بيطام أن “قانون الوقاية من الفساد ينص عقوبات تصل إلى 10 سنوات في التهم الموجهة، غير أنه بالنظر إلى صفتهم باعتبارهم مسؤولين فإن هذه العقوبات “ستضاعف إلى 20 سنة، وبالتالي فهم يواجهون عقوبات تتراوح بين 10 إلى 20 سنة عن كل تهمة، وذلك طبقا لنص المادة 48 من ذات القانون”.
وتنص هذه المادة على أنه “إذا كان مرتكب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون قاضيا، أو موظفا يمارس وظيفة عليا في الدولة… يعاقب بالحبس من 10 الى 20 سنة وبنفس الغرامة المقررة للجريمة المرتكبة”.
وفي هذا الصدد، أكد المحامي أن العدالة الجزائرية “تعمل وفق النظام الفرنسي من خلال دمج العقوبات عن تهم متعددة واعتماد العقوبة الأشد وليس وفق النظام الأنجلوساكسوني الذي يجمع مدة العقوبات على مختلف التهم”.
وبخصوص مسألة استرجاع الأموال المبددة، استبعد الأستاذ بيطام استرجاع هذا الأموال “خلال السنوات المقبلة”، مؤكدا أن “الطريق القضائي والقانوني طويل” وأن الدول التي تربطها مع الجزائر اتفاقيات في هذا الشأن “لا يمكن أن تسحب أموال المسؤولين الجزائريين المودعة لديها إلا بأمر قضائي”، غير أنه اعتبر أن “صور هذا التعاون مع الدول قد تكون من خلال إعطاء المسؤولين أصحاب الأرصدة وحجم الأموال المودعة وهو ما يسمح بتحديد ذممهم المالية”.
ودعا ذات المحامي إلى “إيجاد سبل أخرى لاسترجاع الأموال على شاكلة ما حدث في السعودية وروسيا”، مؤكدا إمكانية استرجاع بعض الأملاك المتمثلة في العقارات والأراضي الفلاحية من خلال “إلغاء قرارات الاستفادة والتعديل الضريبي”.
وبدوره، أكد المحامي طارق مراح أنه بالنسبة لاسترجاع الأموال، فيمكن للعدالة أن “تعرض التعاون مع المتهمين من أجل الوصول إلى تسوية تمكنهم من الاستفادة من تخفيف العقوبة التي قد تصل إلى نصف المدة المحددة وهو الأمر الذي يتم اللجوء إليه في قضايا أخرى كتلك المتعلقة بالمخدرات”.
وأبرز المحامي “صعوبة تتبع مسار هذه الأموال المبددة خاصة إذا تم تهريبها إلى الجنات الجبائية”، مشيرا إلى أن القضاء يملك حاليا ورقة في صالحه وهي تواجد كل المتهمين رهن الحبس الاحتياطي “مما يسهل عملية التفاوض معهم”.

مسؤولون حكوميون رهن الحبس المؤقت وآخرون تحت الرقابة القضائية

وقد شهدت المحكمة العليا منذ يوم 12 يونيو، حركية مكثفة بعد مباشرة النيابة العامة لديها في إجراءات المتابعة القضائية ضد 12 مسؤولا حكوميا سابقا أحال ملفهم النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر، بالإضافة إلى مباشرة إجراءات المتابعة القضائية ضد أربعة وزراء سابقين تلقت في حقهم النيابة العامة لدى المحكمة العليا مطلع الشهر الجاري، ملف الإجراءات المتبعة في قضية رجل الأعمال عرباوي حسان صاحب علامة “كيا” للسيارات، لأفعال يعاقب عليها القانون.
ومثل أمام المستشار المحقق بالمحكمة العليا 8 مسؤولين، صدر في حق بعضهم أمر بالإيداع رهن الحبس المؤقت ويتعلق الأمر بكل من الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال ووزير التجارة والاشغال العمومية الأسبق عمارة بن يونس.
فيما تم وضع المسؤولين الآخرين تحت الرقابة القضائية ويتعلق الأمر بكل من وزير النقل الأسبق عمار تو وزير النقل والأشغال العمومية الأسبق، عبد الغني زعلان ووزير المالية الأسبق كريم جودي ووالي الجزائر العاصمة السابق زوخ عبد القادر، بينما تم الإفراج عن والي البيض خنفار محمد جمال.
ويرتقب -حسب مصادر-، أن تستأنف النيابة العامة لدى المحكمة العليا المتابعة القضائية ضد المسؤولين الأربعة المتبقين “قريبا”، ويتعلق الأمر بكل من بوعزقي عبد القادر، غول عمار، بوشوارب عبد السلام وطلعي بوجمعة وذلك وفقا للأشكال والأوضاع المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية.
ويتابع كل من أويحيى وسلال وزعلان وبن يونس بعدة جنح تتعلق أساسا بمنح امتيازات للغير في مجال الصفقات العمومية والعقود وتبديد أموال عمومية وسوء استغلال الوظيفة وتعارض المصالح، كما يتابع كريم جودي بجنحتي إساءة استغلال الوظيفة وتبديد أموال عمومية وعمار تو وعبد القادر زوخ بجنحتي منح امتيازات غير مبررة للغير في مجال الصفقات العمومية والعقود وإساءة استغلال الوظيفة طبقا لنفس المواد من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.
للإشارة، تنص المادة 26 الفقرة 1 من القانون رقم 06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد، على أنه “يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة مالية من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج: كل موظف عمومي يقوم بإبرام عقد أو يؤشر أو يراجع عقدا أو اتفاقية أو صفقة أو ملحقا مخالفا بذلك الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بغرض إعطاء امتيازات غير مبررة للغير”.
وتعاقب المادة 29 “بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات وبغرامة مالية من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج كل موظف عمومي يختلس أو يتلف أو يبدد أو يحتجز عمدا وبدون وجه حق أو يستعمل على نحو غير شرعي لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر، أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم وظائفه أو بسببها”.
وتنص المادة 33 من ذات القانون على أن “يعاقب بالحبس من سنتين (2) إلى عشر(10) سنوات وبغرامة مالية من 200.000 دج إلى 1.000.000 دج، كل موظف عمومي أساء استغلال وظائفه أو منصبه عمدا من أجل أداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل في إطار ممارسة وظائفه، على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، وذلك بغرض الحصول على منافع غير مستحقة لنفسه أو لشخص أو كيان آخر”.
وطبقا للمادة 34 فإنه “يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى سنتين (2) وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج كل موظف عمومي خالف أحكام المادة 9 من هذا القانون”، وتتعلق المادة 9 بإبرام الصفقات العمومية.
المصدر: وكالة الأنباء الجزائرية

مقالات ذات صلة